السؤال
السلام عليكم
أنا مغترب منذ 9 سنوات لوحدي، أعمل وأدرس -والحمد لله-، أتفهم ضغوطات الغربة، وأطلب العون من الله للصبر عليها، فقدت الأمل، وأصبحت الحياة عندي دون قيمة، وأكثر ما يخيفني هو أن يكون الله تعالى قد كتبني من الأشقياء وليس السعداء؛ لأنني ومنذ زمن بعيد أعيش تجارب صعبة لم يعش مثلها أخي الكبير، أو أحد أصدقائي، بل أشعر أن همومهم بسيطة جدا.
كنت أتحمل كل هذه الضغوطات، لكن أتى فوقهم الشعور بالوحدة الذي لا يرحم، أدعو الله وأقول: يا رب إن كان هذا بسبب ذنب اقترفته، فأخبرني كي أتوب لك.
الوحدة قاسية جدا، لم أكن مهما عند أحدهم، ولم أكن محبوبا عند أحد سوى أمي، والتي لم تتفهم آلامي أيضا، فتقول لي: "ما بالك، مثلك كثيرون والموت مع الجماعة عرس"، طبعا أنا لا أوافق هذا الكلام، لقد أصبح عمري 30 سنة، وأريت أن أجد زوجة تؤنسني وتعينني على الحياة، فاخترت فتاة ذات دين وأهلها أصحاب سمعة جيدة، ولما طلبتها رفضتني.
شعرت أن الدنيا سوداء في وجهي، لا أريد أن أبقى وحيدا كل هذه الفترة، أنا في صراعين، أحدهما مع نفسي التي تلح علي، والآخر مع الحياة، أنا حزين جدا، وأدعو ربي أن لا يتركني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص والتواصل، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
أرجو أن تعلم أن الوحدة خير من جليس السوء، وأن الإنسان ينبغي أن يستغل مثل هذه الفرص في الذكر والتلاوة والإنابة لله تبارك وتعالى، واحرص على أن تؤسس العلاقات مع الإخوان والأصدقاء على تقوى من الله ورضوان، فالصداقة الحقة المفيدة للإنسان في الدنيا والآخرة هي ما كانت لله وفي الله وبالله وعلى مراد الله.
لذلك أرجو ألا تحزن طويلا إذا فقدت من حولك، فالذي وجد الله ماذا فقد؟ فكن مع الله تبارك وتعالى، واجتهد في إرضاء الوالدة، ولا تعطي الدنيا والهموم أكبر من حجمها، فإن الأمور ينبغي أن تأخذ وضعها، والدنيا من أولها إلى آخرها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك ما سقي كافرا منها جرعة ماء.
اعلم أن وجود الصعوبات في حياة الإنسان لا يعني أن الله لا يحبه، بل تعرض الإنسان للابتلاءات أن الله لا يحبه، فأكثر الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل، ونسأل الله أن يجعلنا جميعا ممن أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، وأن يجعلنا عند امتثال قوله: {يا أيها الذين آمنوا اصبر وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
ندعوك كذلك -ابننا الكريم-: إلى استحضار ما وهبك الله تبارك وتعالى من النعم، وإذا عرف الإنسان النعم التي عنده وقام بشكرها فإنه ينال بشكره لربنا المزيد، وقد وعد الله من يزيد في شكره بالمزيد فقال: {وإذ تأذن ربكم لأن شكرتم لأزيدنكم}.
كما أرجو أن تنتبه إلى أن المؤمن ينبغي أن ينظر إلى من هم أقل منه في العافية والمال وفي كل شأن من شؤون الدنيا، حتى لا يحتقر نعم الله عليه، وقد وجهنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا التوجيه بقوله: (انظروا إلى من هم دونكم ولا تنظروا إلى من هم فوقكم كي لا تزدروا – تحتقروا – نعمة الله عليكم). وإذا طبق الإنسان هذا المعنى فسيجد ملايين ما هو أفضل منه، عندها سيقول (الحمد لله الذي عافني ممن ابتلاهم به).
كما أرجو ألا تقف طويلا أمام الفتاة المذكورة التي خرجت من طريقك، فإنها ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، والنساء غيرها كثير، ولعل الخير في خروجها من حياتك، والله تعالى يختار لك ما هو خير لك، {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
اجتهد في البحث، وأسس حياتك على بنيان راسخ، على من يكون لها ميل إليك وعندك ميل إليها، فإن الحياة الزوجية ينبغي أن تقوم على الرضا التام المشترك، والميل المشترك من الجانبين، وكم من إنسان حزن على فتاة ثم عوضه الله بمن هي خير منها.
اجتهد في البحث عن ذات الدين وستسعد بها، وأشرك الوالدة في الأمر، واستعن بالله تبارك وتعالى، وتجنب التضجر لأنه من الشيطان ويريد أن يجعل الإنسان يعترض على قضاء الله تبارك وتعالى وقدره، واعلم أن ما يقدره الله هو الخير، قال الفاروق عمر: (لو كشف الحجاب ما تمنى أصحاب البلاء إلا ما قدر لهم)، ولا تقارن نفسك بالآخرين، فإن لكل إنسان ميزات، ولكل إنسان صعوبات، ولكل إنسان سلبيات، والإنسان ينبغي أن يحمد الله على النعم التي عنده ولا ينظر إلى ما عند الناس.
نسعد جدا بالاستمرار في التواصل مع الموقع حتى تصلك التوجيهات المناسبة، واقبل كلام الوالدة، ولا تعطي الدنيا والهموم أكبر من حجمها، لا تحزن على ما فاتك، ولا تتضجر مما حصل، لأنك لا تعلم من أين يأتيك الخير، ولا تتطلع إلى ما لم تصل إليه {لا تمدن عينك إلى ما متعنا به أزواجا زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}، وارض بما قسم الله لك تكن أسعد الناس.
نكرر لك الشكر ومرحبا بك.