هل الملتزم منشرح وميسور الحال أم مبتلى وممتحن؟

0 35

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي سؤال يراودني منذ سنين، منذ بدأت الالتزام بالصلاة وترك بعض المعاصي وفعل الخير أي بمعنى آخر (منذ وصلت لسن الرشد).

هو ليس مجرد سؤال إنما خوف وحذر يدفعني أحيانا لترك الالتزام، خشية أن يتبليني الله ليمتحنني لأنني حساس جدا، ولا أحتمل الابتلاء والامتحان، لدي من الهشاشة النفسية ما لدي.

هل المؤمن إذا زاد التزامه زاد عظم بلائه؟ كيف نوفق بين قوله عز وجل: { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}، وقوله أيضا {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} من جهة.

من جهة أخرى الأحاديث الكثيرة والآيات التي تدل على أن المرء يزداد بلاؤه بازدياد إيمانه، ولذلك الأنبياء أعظم الناس بلاء، والله إني أخاف أن ألتزم الدين فيبتليني الله ليمتحنني وتنزل علي المصائب والاختبارات!

أعلم أنكم ستقولون لي: إن الشيطان يخبرني بذلك، ولكن أليس ذلك الذي يخبرني به الشيطان صحيحا؟ ألن يكون بلائي أقل إذا كان لدي معاصي ولم أكن ملتزما بالشكل الأمثل؟ ألن يكون ابتلائي وامتحاني أهون من ابتلاء الذي هو أمثل مني إيمانا؟

أرجو أن تفهموا سؤالي وتكون الإجابة بشكل موضوعي ومقنع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
يجب أن تعلم أن الحياة كلها اختبار وامتحان، وأن جميع الخلق ممتحنون في هذه الحياة، قال تعالى: (تبارك الذي بيده الملك وهو علىٰ كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ۚ وهو العزيز الغفور).

العاصي وإن لم تنزل به بلايا فهو مبتلى في الحقيقة، لأن الله تعالى يختبره هل سيتوب ويقلع عن المعاصي أم لا؟ فإن لم يتب أحذه الله تعالى أخذا شديدا أو أنزل عليه المصائب وصبها عليه صبا، فإن لم يحصل له في الدنيا فإنه يعاقب على ذلك في الآخرة كما يحصل للكافر الذي ينعم الله عليه في هذه الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين لعذاب جهنم، ( وقد يتوب الله على من تاب ومات متمسكا بالإسلام).

المؤمن كذلك مبتلى ولا تعني كلمة مبتلى أنه كل يوم في مصائب وبلايا، ولكن المراد أنه قد تحل به بعض المصائب ولكنه يؤجر على تحمل ذلك وصبره عليها، ورضاه بما قدره الله عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له).

من رحمة الله بعباده أنه ليس بحاجة لتعذيب عباده، كما قال تعالى: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ۚوكان الله شاكرا عليما).

والمعنى: (ما يفعل الله بعذابكم إن أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله، فإن الله سبحانه غني عمن سواه، وإنما يعذب العباد بذنوبهم) فأي ابتلاء أو عقوبة تحل بالعبد إنما هو بسببه هو بما اكتسبه بيديه من الذنوب.

حين يبتلى المؤمن لا يجوز أن يتبادر إلى ذهنه أن ذلك دون سبب، بل يجب عليه أن يرجع ذلك إلى ذنوبه التي ارتكبها، لأنه ما من أحد منا إلا وله ذنوب، لكن الأنبياء مثلا إنما يبتلون من أجل أن يرفع الله مكانتهم ويضاعف لهم في أجورهم، كونهم لا ذنب لهم، وهكذا الأمثل فالأمثل كما ورد في الحديث.

أنت تتخوف من شيء لا مفر منه في حياة الإنسان، فالمصائب تصيب المؤمن والكافر، وتصيب الطائع والعاصي، ولا يمكن أن تكون الحياة كلها أفراح ومسرات، ولا جميعها مصائب وابتلاءات، فهذا لم يحصل لأحد قبلنا ولن يكون لأحد بعدنا.

المومن القوي أقل ابتلاء من المؤمن المقصر، لأن المؤمن قوي الإيمان يحول ما عنده من بلاء إلى عبادة وقربة عن طريق الصبر، فلذلك يؤجر ويجد لذلك حلاوة وانشراحا.

أما العاصي فيصيبه الهم والغم والضيق والضجر ولا يحتسب الأجر عند الله فلا يؤجر.

أخشى أن يكون الذي في رأسك مجرد وساوس شيطانية يريد من خلالها أن يجعلك تترك التعبد لله أو تضل على ما أنت عليه من الضعف الديني، ولو أطعته فإنه لن يتركك بل سيشغل ذهنك فيما تبقى عندك من التدين، حتى تترك، وفي النهاية لن تجني شيئا من ذلك، فالبلاء سيبقى كما هو بل سيزيد عليك، فليس بلاء المؤمن كبلاء الكافر، فالكافر وإن كان يتنعم في الظاهر إلا أنه لا يجد للحياة طعما، لأنه غذى جسده كالبهيمة وترك الروح التي ليس لها غذاء إلا في طاعة الله تعالى وذكره.

المؤمن قوي الإيمان الذي عنده علم يتعلم الصبر والتفاؤل وبقوة الإيمان يتسع صدره ويتقبل قضاء الله وقدره برضى.

نوصيك ألا تلتفت لمثل هذه الوساوس وأن تحتقرها وألا تسمح لها بالدخول إلى عقلك ولا تسترسل أو تتحاور معها وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتنهض من المكان الذي أتتك وأنت فيه وتشغل نفسك بأي عمل يلهيك عنها.

أكثر من ذكر الله تعالى واجعل لسانك رطبا من ذكر الله تعالى وحافظ على أذكار اليوم والليلة واجعل لنفسك وردا من القرآن الكريم فذلك يجلب لقلبك الطمأنينة كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ومن فوائد ذلك أيضا أنه يجلب الحياة الطيبة السعيدة كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد وسل ربك ما أحببت من خيري الدنيا والآخرة وأكثر من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

الزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات