السؤال
أنا شاب في 23 من العمر، أعاني الكثير من الضغوطات، أعاني من ضغوط نفسية، وخوف وقلق وأفكار وسواسية، منذ صغر سني لا تتركني، أحاول قدر المستطاع الالتزام بالصلاة، والعبادات رغم انهياري الداخلي، والأفكار التي تقول أن هذا كله بسبب غضب الله عليك لذنوبك، وكم من مرة أصرخ على والدي لكن الندم يقتلني، وأذهب لأطلب مسامحتهم وأراضيهم، أمي دائما تقول أنها راضية عني، وأنها تحبني، أردت كم من مرة أن أخبرها بضعفي، والتنمرات، والاتهامات التي تعرضت لها في شرفي، ولكن أخاف أن يكون ابتلاء، وأكون فشلت فيه إن أخبرت أحدا بما أمر به.
أنا أتحمل أناسا لا أريدهم في حياتي بسبب ضعفي، وعدم الثقة في نفسي وأخاف أن يؤذوني فهم يسخرون مني، ويتكلمون وراء ضهري، وافتروا علي في الصغر، ويستغلون طيبتي، وأحس نفسي منافقا لما أجلس معهم، أو أجاملهم، وأجد نفسي أكذب لكي أتجنب الإيذاء من حولي، فهل أنا منافق؟
لا أستطيع الخروج من دوامة الحزن، والخوف وأجد نفسي مرغما على تحمل أشياء، وأناس لا أحبها.
هل يجوز أن أحكي ما بداخلي لأحد لأخفف عن نفسي فأنا أخاف أن يكون ابتلاء من الله تعالى، وإن أخبرت أحدا سأفشل فيه؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فتح النور حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أخي الكريم وردا على استشارتك أقول:
من عاش بعيدا عن الله تعالى أحس بالضيق وحرج الصدر، وربما أصيب الشخص بالكآبة كما قال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ۚ كذٰلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) وقال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمىٰ ).
لعلك تدرك أن الغاية التي خلقنا من أجلها هي عبادة الله وحده كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وتحقيق هذه الغاية هي سر سعادة الإنسان في هذه الدنيا؛ لأن من حقق ذلك جمع بين حق الروح والجسد، ومن لم يحقق تلك الغاية فإنه يصبح أشبه ما يكون بالحيوان بل أضل كما قال تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ۖ لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ۚ أولٰئك كالأنعام بل هم أضل ۚ أولٰئك هم الغافلون) ويقول: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ۚ إن هم إلا كالأنعام ۖ بل هم أضل سبيلا).
يجب أن تجاهد نفسك من أجل المحافظة على الصلاة، فإن فعلت وفقت وهديت كما قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ۚ وإن الله لمع المحسنين).
احذر من وساوس الشيطان الرجيم؛ فإنها سبيل إلى القلق والانهزام النفسي، وعليك أن تحتقر جميع الوساوس فور تواردها عليك، وألا تسمح لها بالدخول إلى عقلك، ولا تسترسل أو تتحاور معها، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم وانهض من المكان الذي أتتك وأنت فيه، واشغل نفسك بأي عمل يلهيك عنها.
احذر من الخلوة فإنها من أسباب توارد الوساوس، وسبب من أسباب افتراس الشيطان لابن آدم.
احذر من الرسائل السلبية والتي أكثرت منها في استشارتك مثل قولك: (انهياري الداخلي، بسبب ضعفي، وعدم ثقتي بنفسي، لا أستطيع الخروج من دوامة الحزن والخوف وأجد نفسي مرغما على تحمل أشياء وأناس لا أحبها) فهذه الرسائل يستقبلها عقلك ثم يرسل رسائله لبقية الأعضاء للتفاعل معها، وبالتالي تعاني من آثارها، فأنت في الحقيقة لست منهارا داخليا، ولست ضعيفا، وأنت قوي الشخصية، لكن هذه الرسائل هي التي أثرت عليك فاجتهد في محوها وأبدلها برسائل إيجابية.
علاج اليأس والقنوط هو إعادة صياغة الحياة على التفاؤل وحسن الظن بالله والنظر إلى الحياة بتفاؤل واستبدال الرسائل السلبية التي كبلتنا عن الانطلاق وتحمل الصعاب برسائل إيجابية وأمعن معي النظر في قول الصحابة حين أتي برجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من شرب الخمر فقال الصحابة لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به.
ولما كان لهذه الرسالة السلبية تأثير على نفسية الرجل تجعله يستمر في الإدمان محى عليه الصلاة والسلام تلك الرسالة بأخرى إيجابية تعزز من ثقة الرجل بنفسه وتدفعه نحو التغيير فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوه إنه يحب الله ورسوله) فكيف تتصور نفسية هذا الرجل بهذه الشهادة من النبي عليه الصلاة والسلام، ولما أتاه بعض الصحابة وكانوا قد تركوا الخطوط الأمامية للمواجهة في القتال فقال لهم من أنتم؟ قالوا: نحن الفرارون! قال: بل أنتم العكارون، يعني المنحازون إلى قائد الجيش.
الزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسل ربك أن يجعل لك فرجا ومخرجا، وسله ما تريد من خيري الدنيا والآخرة، وأكثر من دعاء ذي النون: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق.