السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
متزوجة، وعندي ولله الحمد طفلان، وزوجي يريد طفلا ثالثا، وأنا أرغب في تأجيل الأمر حاليا؛ نظرا لكثرة المشاكل والخلافات بيننا.
هو دائم الحلف بالطلاق في كل كبيرة وصغيرة، وحتى أمر الإنجاب حلف علي بالطلاق أيضا لأنجب، وأنا أصبحت متعبة نفسيا من كثرة الخلافات، وعدم التفاهم بيننا، وأصبحت لا آمن على نفسي وأولادي منه، حاولت إصلاحه بكل الطرق ولم يتغير.
طلب مني ترك البيت والذهاب لأهلي حتى أفعل ما يريد، وأنا الآن في بيت أبي وطلب أهلي مني أن أفعل ما يريده زوجي، وأن المشاكل والحلف الدائم أمور لابد أن أتأقلم عليها، وأن هذا حق الزوج، ولكن صدري غير منشرح ومتعبة نفسيا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
ما يحصل بينك وبين زوجك من المشاكل يحتاج إلى تفصيل وذكر لما يدور بينكما، حتى يمكن مساعدتكم في حل الإشكال، لأنه لا يجوز أن يستمع لطرف دون الآخر، فلربما كان عندك أخطاء كذلك ورمي التبعة على الطرف الآخر أمر في غاية السهولة.
المرأة الحكيمة هي التي تتعامل مع زوجها وفق نفسيته، لا أن تطلب منه أن يتعامل معها وفق ما تريد هي، كما أن الزوج الحكيم هو الذي يراعي مشاعر زوجته ويتنازل عن بعض الأمور من أجل بقاء المودة، وحتى تستمر الحياة بهدوء وحب وتعاون.
على كل شريك في الحياة الزوجية أن يبين ما يحب وما يكره حتى يتلافى كل طرف ما يغضب شريكه، مع الاجتهاد في غض الطرف عن الأخطاء والهفوات، وعدم حل الإشكال في حينه بل لا بد من ترك وقت حتى تهدأ العاصفة ويذهب الغضب.
اعلمي أن الشيطان حريص جدا على هدم البيوت وأنه يجلس على عرشه كل يوم ويرسل جنده ليفسدوا حياة الإنسان، فأفضلهم من يأتيه فيقول ما زلت بعده حتى طلق امرأته، فيقول له أنت أنت، ويجلسه بجواره.
احذر من سيطرة الأفكار السيئة على عقلك، وعليك أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم كلما أتتك هذه الأفكار، وعليك أن تفكري في مصلحة أبنائك أكثر من تفكيرك في مصلحتك الخاصة.
يجب على كل شريك في الحياة الزوجية أن يغير من أساليبه في التعامل مع شريكه، لا أن يجعلها رتيبة غير قابلة للتغيير، فالوسائل والطرق تتغير وتتجدد كل يوم، ولو أنك قرأت فيما كتب في هذا الجانب أو شاهدت ما هو موجود في المواقع المتخصصة لفتحت لك آفاقا كثيرة، ولاستفدت من ذلك أيما فائدة.
من الخطأ أن نتقوقع حول المشكلة ونجعل عليها دائرة مغلقة ونجعل أنفسنا داخلها والصواب أن نخرج من تلك الدائرة وننظر للمشكلة من الخارج ثم نجتهد في إيجاد الحلول ونبدع في الإكثار منها فإن لم ينفع الأول نفع الثاني بإذن الله تعالى.
قد يكون الخطأ مشتركا بين الطرفين، ولذلك لا بد من تأسيس الحوار البناء والنقد الهادف، ولا بد من ترويض النفس لقبول الحق وغض الطرف عن بعض الهفوات، فالمحاسبة الشديدة في كل صغيرة وكبيرة مفسد للحياة الزوجية.
الحلف بالطلاق والتهديد به من قبل الزوج أسلوب سيء للغاية، وبالمقابل إصرار الزوجة على تنفيذ ما برأسها خطأ مثله، فلا الحلف بالطلاق سيوصله لمراده، ولا الإصرار سيوصل المرأة إلى غايتها تماما كما حاصل عندك.
كما أن الإنجاب من حق الزوجة فلا يجوز للزوج أن يعزل عنها منيه من أجل منعها من الحمل فكذلك من حق الزوج أن يكون له أبناء ولذلك لا يجوز لك منعه من حقه كما يجب أن تتفقا على جدول مرتب في فترات الحمل حتى تتمكنا من تربية الأبناء بطريقة سليمة فليس كثرة العدد هو المطلوب وإنما النوع.
لا داعي لتصعيد المشاكل وتكثيرها، فإن كان يريد منك أن تحملي فلبي طلبه ولا بد من عمل حلول جذرية للمشاكل الدائرة بينكما.
لن تستمر حياتكما بهذه الطريق فالحياة في البداية يكون فيها مشاكل بسبب اختلاف الطباع والبيئات التي تربيتما فيها وعلى كل منكما أن يتأقلم مع طباع الآخر مع الاجتهاد في تغيير بعض السلوكيات والأفكار.
تقوية الإيمان والإكثار من العمل الصالح من كليكما يعد من أسباب جلب الحياة الطيبة كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
لا بد من التعود على الصبر فالصبر عاقبته حسنة وعلى كل طرف منكما أن ينظر في الصفات الحسنة والجميلة في شريكه فيغلبها على السلبيات والتي هي قليلة دون شك.
البقاء في بيت أهلك ليس حلا بل لا بد من العودة إلى بيتك، وحل الإشكال بالحوار الهادئ، لأن البعد عن الزوج يولد الجفوة، ويتسبب في أن الشيطان يسيطر على عقل الزوج، وربما ساعد في انحرافه.
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسلي الله تعالى أن يلين قلب زوجك وأن يلهمه الرشد، وأن يؤلف بين قلبيكما، وأكثري من دعاء ذي النون: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله /صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
اعملي بنصح والديك فهما من أحرص الناس على سعادتك، ولديهما من التجربة الشيء الكثير.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك، وأن يرزقكما السعادة آمين.