السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من اضطرابات نفسية ولا أقدر على فهمها بشكل كامل، وأتمنى أن تفيدوني في فهم شخصيتي.
أنا أفضل العزلة وأفقد طاقتي مع الآخرين، وأتجنب الحفلات والتجمعات بأنواعها (مع كامل إرادتي)، أكره الدخول في نقاشات طويلة لا مغزى منها، وأعاني من الحساسية المفرطة.
بفضل الله أتقن الأعمال المكلفة بها جيدا، وأقدر على تحقيق أهدافي دون الاحتياج لتشجيع أو دعم، بل لا أخبر غيري عن إنجازاتي التي أحققها مع ذاتي، ولا أنتظر شكرا من أحد.
ولكن ما يرهقني أن ثقتي بنفسي ضعيفة أو كما أظن، بالرغم من أني متميزة، ولكني دائما أخاف من إبداء رأيي، وأعاني من الخجل الاجتماعي، ولكن مع أشخاص معينة.
لا أفهم نفسي، وهذا يرهقني جدا، أرجو أن توضحوا لي كيفية علاج هذه الاضطرابات؟
ما أذكره أن هذه العزلة بدأت في أواخر الطفولة، حيث كنت دائما أسمع من والداي أني كثيرة الجدال، وما يجب علي هو السمع والطاعة فقط دون إبداء الرأي، لأنهم أعلم مني، ومن وقتها قررت أن أعتزلهم حتى أرتاح من هذه التناقضات، وبدأت العزلة مع العائلة فقط، ثم تطور الأمر حتى أصبحت مع الكل بشكل غير طبيعي، كما أني كنت أفتقد الروح الاجتماعية في الصغر.
مشكلتي الأخيرة أني كثيرا ما أتحدث مع ذاتي، ولكن بصورة غير طبيعية، حيث إني أتكلم وكأنه يوجد أشخاص حقيقيون يردون علي وأرد عليهم، كما أني كتومة جدا، ولا أشارك أحدا مشاعري، وأجد صعوبة في إبدائها.
لا أدري هل ما أعاني منه انطوائية أم رهاب؟
أرجو توضيح بعض الحلول لي، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.
ما تمرين به من ظرف نفسي اجتماعي أمر طبيعي يحدث لبعض البنات في سنك، وهو جزء من العملية الارتقائية التطورية التي يمر بها الإنسان بعد سنوات اليفاعة والبلوغ؛ لأن هذه المراحل تتميز بوجود تغيرات كثيرة جدا، فسيولوجية وهرمونية واجتماعية ونفسية، وأنت كما تفضلت شخصيتك فيها شيء من الحساسية، وربما شيء من التحفظ، وربما كثير من الحياء، والحياء شطر من الإيمان، والحياء خير كله أو كله خير.
لا أريدك أبدا أن تقيمي نفسك تقييما سلبيا، أعتقد أن هذه هي الإشكالية، والإنسان يجب أن يحكم على نفسه بأفعاله وليس بمشاعره أو أفكاره.
أنت ذكرت أمرا مهما جدا، وهو أنك بفضل من الله تعالى تتقني الأعمال المكلفة بها جيدا، وتستطيعين تحقيق أهدافك؛ إذا يجب أن ترفعي من قيمة ذاتك في منظورك، الإنسان يجب ألا يضخم ذاته، لكن لا يحقرها، والإنسان دائما يقيس ويقيم نفسه بإنجازاته وبأفعاله وبأعماله. هذا مهم جدا، وهذا إن شاء الله تعالى سوف ينعكس إيجابيا على فكرك وعلى مشاعرك.
الذي أنصحك به هو تنظيم الوقت، الذي يدير وقته يدير حياته بصورة صحيحة، وأنت الحمد لله صغيرة في السن، الله تعالى حباك بطاقات ومقدرات ومهارات كثيرة يجب أن تستفيدي منها. نظمي وقتك، تجنبي السهر، عليك بالنوم الليلي المبكر، الاستيقاظ المبكر، صلاة الفجر في وقتها، القيام ببعض التمارين الإحمائية مثلا، وبعد الاستحمام تدرسي لفترة نصف ساعة إلى ساعة قبل أن تذهبي إلى مرفقك الدراسي. فهذا الوقت هو وقت الاستيعاب والتركيز الجيد والممتاز، وبعد ذلك ستجدين أنك أصبحت مقتدرة جدا على إدارة وقتك بصورة طيبة وممتازة.
التواصل الأسري مهم جدا، هذا أمر مهم جدا، فأريدك أن تكوني شخصا فعالا في أسرتك، تأخذي مبادرات. وأيضا حاولي أن تذاكري مع مجموعة من الطالبات من وقت لآخر، لأن ذلك سوف يزيد من مهاراتك الاجتماعية، ويعطيك ثقة أكثر في نفسك.
مارسي أي نوع من الرياضة متاحة للفتاة المسلمة. طبقي أيضا تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس التدرجي، تمارين شد العضلات وقبضها ثم استرخائها، مفيدة جدا، توجد برامج كثيرة على اليوتيوب توضح كيفية القيام بهذه التمارين.
ولابد أن تكون أيضا أهدافك واضحة، ضعي أهدافك وضعي الآليات التي توصلك إلى هذه الأهداف.
أنت ذكرت أنك كثيرة الحديث مع نفسك: هذا دليل على وجود طاقات نفسية ممتازة، لكنها تحولت إلى أحلام يقظة، أنا أريدك أن تحوليها إلى أحلام حقيقية، تصوري نفسك بعد ست أو سبع سنوات من الآن، أين أنت؟ التخرج من الجامعة بتميز، الزواج إن شاء الله تعالى، الدراسات العليا، ... ضعي هذا النوع من التفكير في حسبانك، وهو ليس تفكيرا خياليا أبدا.
قطعا ممارسة الرياضة وتمارين الاسترخاء سوف تساعدك كثيرا في التخلص من أحلام اليقظة التي تحدثت عنها.
أنا أريدك أيضا أن تطوري نفسك ومعرفتك بما يسمى بالذكاء العاطفي أو الذكاء الوجداني. يوجد الذكاء الأكاديمي أو الذكاء العقلي الذي من خلاله ندرس، نتساير مع الحياة، أما الذكاء الوجداني أو العاطفي فهو الذي يعلمنا كيف نفهم أنفسنا وكيف نتعامل مع أنفسنا بصورة إيجابية، وكيف نفهم الآخرين ونتعامل معهم بصورة إيجابية. فأرجو أن تتحصلي على أحد المراجع الجيدة في علم الذكاء الوجداني، ومن أفضل الكتب الكتاب الذي كتبه (دانييل جولمان) سنة 1995، ودكتور جولمان هو رائد هذا العلم، والكتاب موجود في المكتبات، وهو مترجم إلى اللغة العربية، أعتقد أنه سيكون مفيدا لك جدا، فأتمنى أن تتحصلي عليه وتقرئي فيه، وسيفيدك جدا.
هذا هو الذي أود أن أنصحك به، وليس هنالك أكثر من ذلك، ولست في حاجة لعلاج دوائي.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.