قلقي مستمر من غضب الله وعقوق الوالدين، ماذا أفعل؟

0 27

السؤال

السلام عليكم.

تربيت في بيت فيه الأم نرجسية متسلطة والأب غائب، نشأت على الخوف من أمي ومن غضبها المخيف، فكنت تلك الفتاة المطيعة الملتزمة البارة التي تعمل تحت أقدام والدتها، وكانت ترضى أحيانا وتغضب أحيانا كثيرة بدون سبب، كنت الكبرى وعندي فقط أخت أصغر مني، تحملت مسؤولية البيت في عمر صغير جدا، لأن أمي كانت تشعرنا بأنها المضحية، والتي تتعب من أجلنا، وتشعرنا بالذنب وتغضب وتصرخ وتضرب لأتفه الأسباب.

كان البيت عبارة عن بركان لا ندري متى ينفجر، فكنت أتحمل مسؤولية البيت من طبخ وتنظيف وترتيب، ظنا مني أن ذلك يريح أمي ويرضيها ويرضي الله، قسم الله لي الزواج ورزقت بأربعة أطفال، اكتشفت أن عندي وسواس وقلق من كل شيء، لا أشعر بالرضا والسعادة أبدا، ليس عندي هوايات أو وقت خاص لي، أشعر بالذنب عند ممارسة أي نشاط بعيدا عن أمي.

فأنا أحاول إرضاء الجميع، بما فيهم أمي التي تتهمني بالتقصير والبعد، مع أنني أزورها تقريبا في الأسبوع ثلاث مرات، وأطبخ لها وأشتري لها الهدايا والاحتياجات، وأتكلم معها عدة مرات في اليوم، وأسمعها من طيب الكلام، وهي بكامل صحتها وقوتها، تريد التدخل بعلاقاتي مع صديقاتي وعائلتي، لا أعرف ما هي ضوابط العلاقة مع الأهل بعد زواج البنت؟ أشعر بأنني أعيش من أجل الجميع وأنسى نفسي، دائما عندي قلق وخوف من غضب الله وغضب الوالدين، دائما أحس بالذنب تجاه بيتي وأطفالي وزوجي، أشعر أنني مقصرة في ديني، أشعر بأنني فاقدة الأمان وكأن أمي تترصد أخطائي وتقصيري رغم مسؤولياتي الكثيرة، هل أنا مقصرة وأستحق العقاب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يجعلك فائزة ببر الوالدة وبرضا الزوج، والقيام بحق الأطفال، نسأل الله أن يصلح لنا ولكم الأحوال، وأن يحقق لنا ولكم في طاعته السعادة والآمال.

نحن سعدنا بهذه المشاعر التي يفوح منها البر، ونبشرك بأن البر للوالدة حاصل، وأن الإنسان إذا عمل ما عليه ولم يرض الوالد أو لم ترض الوالدة فإن ذلك لا يعتبر من العقوق، لأن البر عبادة لله تبارك وتعالى، وإذا أدى الإنسان ما عليه ولم يرض الوالد أو لم ترض الوالدة فلا شيء عليه، بل سنجد قول الله تبارك وتعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}، والآية جاءت بعد آيات البر، قال العلماء: فيها تعزية لمن قام بما عليه أو قامت بما عليها ولم يرض الوالد ولم ترض الوالدة.

وأرجو أن تدركي أن المطلوب هو أن تقومي بما تستطيعين عليه، وتذكري أن لنفسك عليك حقا، وأن لزوجك عليك حقا، وأن لأهلك عليك حقا، وأن لزورك عليك حقا، وأن لأبنائك عليك حقا، فالمهم أن يوازن الإنسان بين هذه الواجبات وبين هذه الحقوق.

وتعوذي بالله من شيطان همه أن يحزن أهل الإيمان، وعودي لسانك كثرة الذكر لله تبارك وتعالى، ورتبي أمورك، واعملي جدولا مناسبا توزعي فيه المهام، بحيث تعطي نفسك حقها، وتعطي الزوج حقوقه، وتعطي الأبناء ما لهم، ولا تقصري في أمر الوالدة، ولا تتأثري بكلامها، لأن العبرة أن تفعلي ما تريده، وأنت الآن عليك مسؤوليات أخرى وواجبات أخرى أيضا لا بد أن تهتمي بها وتقومي بها.

ندعوك إلى الاستمرار على هذه الطريقة الرائعة، مع ضرورة الاهتمام بنفسك، والاهتمام بزوجك، كذلك أيضا من المهم جدا إصلاح ما بينك وبين الله تبارك وتعالى، واعلمي أن الزهراء بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- لما شكت من الخدمة والتعب وجاءت لأبيها النبي -صلى الله عليه وسلم- تطلب منه جارية تخدمها، كان أن علمها وزوجها علي – رضي الله عنهم – التسبيح والذكر لله. أخذ العلماء من هذا أن الذكر لله يبعث على القوة والنشاط، فهي طلبت من يعينها في خدمة بيتها من التعب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- علمها والزوج (علي)، قال: (إذا أويتما إلى فراشكما تسبحان الله ثلاثا وثلاثين، وتحمدان الله ثلاثا وثلاثين، وتكبران الله أربعا وثلاثين) ثم قال: (فذلكما خير لكما من خادم).

فاجتهدي في الذكر والصلاة، واعلمي أن بر الوالدين والإحسان إلى الزوج وتربية الأبناء أيضا من الدين، هذه أبواب تكسبين منها الثواب العظيم عند الله تبارك وتعالى، وهنا ندعوك أن تخلصي وتجعلي عملك لله ونيتك خالصة لله، لتؤجري في حياتك من أولها إلى آخرها، من ألفها إلى يائها، كما قال معاذ: (والله إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)، والإنسان ينبغي أن يحتسب كل ما يقوم به لينال أجرا وثوابا عند الله.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات