السؤال
السلام عليكم.
أنا امرأة عانيت كثيرا منذ طفولتي بسبب أسرتي المتفككة، تزوجت وعمري 17 سنة للهروب من واقعي المرير وأفراد أسرتي، لم ينصحني أحد منهم أو يخاف علي، بل رحبوا بالفكرة وتركوني لمصيري، بعد سنوات تطلقت ورجعت لهم ومعي طفلين، لم يرحموا أطفالي ولم يرحموني، بل تركوني أعاني ولم يصرفوا علينا ولم يساعدونا، تزوجت مرة أخرى، وتنازل والدهم عن حضانتهما لي، وتحملت أعباء مالية كبيرة وضغوطات لا توصف.
أصبت بالاكتئاب، فوصف لي الطبيب إفكسور 75، أخذته لسنوات ولم أستفد، بعدها وصف لي سيبرالكس، أخذته لمدة سنتين، وبعد سنة رجع الاكتئاب بشدة مع رهاب اجتماعي وانعزال الناس وخوف وقلق ووساوس وانطوائية، لا أستطيع مخالطة الناس، ولا أحب حضور الأفراح والمناسبات، أحب أخوتي ولكنهم لا يتفهمون حالتي ولا يدعموني نفسيا ولا يهتمون بي، كما أنني أصبحت شديدة الحساسية من كل شيء، عندما تطلب ابنتي أن نخطط لشيء ما، لا أقبل ولا أحب التخطيط وأتهرب من أي جدول يلزمني بأي شيء، ولا أحب أن يزورني أحد، أتهرب منه وأعتذر بالرغم من حبي لهذا الشخص، لا أحد يفهم حالتي، وأصبحت لا أشرحها، أتحسس كثيرا من معاملة أهلي لي عندما أزورهم، فهم يضايقوني ويتهموني بالحساسية، زوجي أصبح حزينا من حالتي، وأولادي أيضا، أحاول أن لا أشعرهم بشيء، أنا محافظة على صلواتي ومتدينة، أرغب في أن أعيش حياة اجتماعية سعيدة، ولكن لا أستطيع، تأثرت ابنتي كثيرا بحالتي، وأصبحت تعتزل وتخاف الناس كثيرا، أرجو أن تساعدوني.
ولكم كل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أماني حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والتوفيق والسداد.
أختي الكريمة: الماضي قد انتهى، والماضي ضعيف، والحاضر هو الأقوى، وأنا أريدك أن تستفيدي من الحاضر، لأنه بالفعل هو الأقوى كما أجمع على ذلك علماء السلوك، ولا تخافي من المستقبل، والأمر كله بيد الله.
حياتك – أختي الكريمة – بالرغم مما أصابك من عنت هنا وهناك، لكن حياتك فيها أشياء طيبة، حتى بعد أن حصل الطلاق ووهبك الله تعالى الزواج مرة أخرى، وهذا دليل -إن شاء الله- أنك امرأة صالحة، لديك الذرية، وأراك تعملين أيضا معلمة، مهنة محترمة، ممتازة، تجنين منها -إن شاء الله تعالى- خيري الدنيا والآخرة (فخيركم من تعلم العلم وعلمه).
أنا أعتقد أنك حساسة أكثر من اللزوم، التشاؤم أيضا يسيطر عليك، ولا أريدك أن تكوني هكذا أبدا، كل شيء في الدنيا يوجد ما يقابله، الكون فيه ثنائية عجيبة جدا (سبحان الله)، كل شيء يوجد ما يقابله، الشر يوجد الخير يقابله، المرض توجد الصحة، الفقر يوجد ستر الحال والغنى، الحزن يوجد آضاده الفرح، الشقاء، السعادة.
فيا أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو ألا تتخيري المفاهيم السلبية وتنزليها وتسقطيها على ذاتك، كوني إيجابية في أفكارك، إيجابية في مشاعرك، وعبري عن نفسك، هذا مهم جدا. وأنا أوصيك بوصية مهمة جدا، وهي: أن تعاملي الناس بالطريقة التي تودين أن يعاملونك إياها، عامليهم كما تحبي أن يعاملوك، هذا هو القانون، هذا سوف يقلل الحساسية من جانبك، وسوف يخفف كثيرا موضوع الإسقاط ولوم الآخرين.
أنا أعتقد أيضا أنه سيكون من الجميل جدا إذا مارست رياضة المشي، تجنبت السهر، وتجنبت النوم بالنهار، وطبعا من المهم جدا أن تكوني أكثر إخلاصا في عملك، ومحبة له وأداء، مهنة عظيمة جدا.
وأنا أريد أيضا أن أصف لك أحد الأدوية الفعالة والممتازة، دواء محسن للمزاج، مزيل للخوف، و-إن شاء الله تعالى- يساعدك كثيرا. الدواء يسمى علميا (سيرترالين) تبدئي في تناوله بجرعة نصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجراما، لأن الحبة تحتوي على خمسين مليجراما – تناوليها لمدة عشرة أيام ليلا كجرعة ابتدائية، بعد ذلك اجعليها حبة كاملة (خمسين مليجراما) يوميا لمدة شهر، ثم اجعليها حبتين (مائة مليجرام) يوميا لمدة ثلاثة أشهر، وهذه هي الجرعة الوسطية، وبعد ذلك خفضيها إلى الجرعة الوقائية بأن تجعلي الجرعة حبة واحدة يوميا لمدة أربعة أشهر، ثم اجعليها نصف حبة يوميا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناول الدواء.
هذا التدرج في تناول الدواء مهم جدا، والالتزام بالدواء طبعا مهم جدا حتى تتحصلي على فائدته المرجوة، وتعيشي في صحة نفسية راقية وممتازة.
تطبيق الإرشادات التي ذكرتها لك أيضا مهم جدا. أبشرك أن السيرترالين غير إدماني، وغير تعودي، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية. فقط ربما يفتح شهيتك قليلا نحو الطعام، وإن كنت تخافين من زيادة الوزن فأرجو أن تتخذي المحاذير اللازمة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.