السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرا أخوتنا بالنيابة عن سائر المسلمين لما تبذلونه من جهود لتوضيح دين الله لعامة الناس.
لدي مشكلة أعتقد أنها رياء وتمنعني من التلذذ بعبادة ربي، حيث أنني إذا ما كنت وحدي أذكر الله أو أستمع للقرآن ونزلت دموعي تأثرا بما أسمع أو أقرأ أتذكر مباشرة الأحاديث التي تتحدث عن فضل البكاء، فأشعر بلحظتها أني بكيت متعمدا للبكاء نفسه وليس خوفا من الله وعذابه، أو حبا في في ذات الله وكرمه، أي أنني أبكي ليكتب لي أجر البكاء وليس لما يبكى منه (النار والعذاب)، أو له (رحمة الله).
أفيدوني فهذه مشكلة تؤرقني؛ حيث أني أظل أحسب نفسي منافقا أثناء عبادتي بهذه الصفة التي في.
وشكرا لحضراتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، وشكرا لك على هذا السؤال الرائع، نسأل الله أن يجعلنا جميعا ممن يبكي من خشية الله، فتلك عين لا تمسها النار، (عين بكت من خشية الله)، ونسأله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
سعدنا جدا بحرصك على ذكر الله وعلى تلاوة القرآن، ومن ذكر الله في نفسه ذكره العظيم في نفسه سبحانه وتعالى، وهذه فرصة عظيمة جدا من أجل أن يربي الإنسان نفسه ويهذب الإنسان نفسه، فاستمر على هذا الخير، واعلم أن عدونا الشيطان لا يريد لك الخير، ولذلك يشوش عليك بمثل هذه الأفكار.
الإنسان لكي يصل للبكاء الخاشع قد يبكي طويلا حتى يصل للدمعة الخاشعة لله تبارك وتعالى، ولذلك الإنسان إذا لم يبك يتباكى وحاول وكرر، حتى يصبح البكاء في مكانه الصحيح، ودائما مثل هذه الأمور قد يحتاج الإنسان إلى وقت، لذلك قال قائلهم: (كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة)، قال بعضهم: (سقت نفسي إلى الله وهي تبكي، فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك).
فهذه الأمور وهذه المنازل الرفيعة تحتاج إلى مجاهدة، والأمر كما قال ربنا تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}، فإذا كنت في خلوتك وكنت وحدك وجاءك الدمع وجاءك الشيطان ليقول إنها ليست لله، فتعوذ بالله من شره، واجتهد في مزيد من الإخلاص لله تبارك وتعالى، واعلم أنك تؤجر بنية أن تذكر الله وحدك، وتؤجر بحروف القرآن، وتؤجر بحرصك على أن تكون العبادة بينك وبين الله، وتؤجر برغبتك في أن تصل إلى مرتبة {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}، لتصل مرتبة: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}، هذه كلها أجور وثواب من الله، بل أنت تنال أجرين: أجر المجاهدة وأجر الدمعة التي نزلت.
فتعوذ بالله من شيطان لا يريد لنا الخير، وتفقه في الدين، لأن الفقيه أشد على الشيطان من ألف عابد.
فلا تنزعج لهذه المشكلة، واشتغل بذكر الله تبارك وتعالى، واعلم أن عدونا يندم ويحزن إذا ذكرنا ربنا، يندم إذا تبنا لربنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، فلنعامل عدونا بنقيض قصده.
وفقك الله للخير، وجعلك من عباده المخبتين.