كيف أستطيع تحمل صعوبات الماضي والمستقبل؟

0 21

السؤال

سلام الله عليكم

أنا شاب بعمر 23 سنة، سؤالي هو الآتي: مؤخرا تملك قلبي شعور بخوف من الله تعالى، لا يفارقني أبدا، حيث أني أصبحت دائم التفكير في القبر ويوم القيامة، الأهم من ذلك، مجرد تخيل الوقوف أمام الله تعالى يشعرني بضيق شديد، أكيد أحب لقاء الله ولكن دوما أسأل نفسي: هل في ذلك اليوم سيحب الله تعالى لقائي؟ وكيف سيكون موقفي أمامه؟ هل سيكون وقوفا يليق بجلاله أم لا؟

هناك فكرة دائما في بالي، أن ما أمر به أنا وإخوتي جريمة، والسبب تزويج شخص لا يصلح للزواج بتاتا، بل هو سبب شقائنا في الدنيا، ولست مسامحا له، وأكن له كرها لا يوصف، فلقد ابتلينا بأب لا يجوز قول كلمة أب فيه، فهو لا يعرف المسؤولية بتاتا، ولم يكن له أي دور في تربيتنا، لا ماديا ولا دينيا، فرضت علي مسئولية بأن أكون الأب والأم لإخوتي، وفوق ذلك هو عالة علي أنا وإخوتي، هذا السبب الرئيسي في تعاستي للأسف الشديد.

بداخلي طموح كبير، ولكن دوما الواقع يفرض علي قبول شيء لا أريده، نتيجة لتلك المسؤولية، ودائما ما أسأل نفسي: ما ذنبي في تحمل شيء ليس لي يد فيه؟ لست مقتنعا أن وجودنا قدر أو أن ما نحن فيه قدر، وإنما نتيجة جرم.

الله تعالى كريم عظيم، لا يأتي منه إلا كل شيء جميل، ولا أستطيع نكران ما أنعم الله تعالى علي، حتى وإن كانت في نظري قليلة، لكنه كذلك تراود بالي فكرة أنه لم يقدر لي حب الله تعالى، ولو قدر لي لكنت خلقت في أسرة جيدة، وليس كالتي أعيش بها، فهي أبعد من أن تكون أسرة.

أشعر بضيق شديد، لدرجة أشعر أن ساعتي قريبة، وأنا لا زلت على حال لم أستطع تحقيق هدف من طموحاتي، بل وإني كذلك هين عند الله تعالى، شعور سيء أن تحس أن وجودك في الحياة فقط لتحمل خطأ غيرك، بل وكذلك وجود طموح يقتلك كل يوم يمضي في العمر دون تحقيقه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك – أيها الابن الكريم – في الموقع، ونشكر لك التواصل والسؤال، وإنما شفاء العي السؤال، وأرجو أن تتواصل حتى تصحح المفاهيم التي عندك، وقد سعدنا بخوفك من الله وتذكرك بالوقوف بين يديه، وبخوفك من ألا يكون الله قد أحبك، ونحن نريد أولا أن تحسن الظن بالله تبارك وتعالى، فهو عند حسن ظن عبده به.

الأمر الثاني: نريد أن تحول الخوف إلى عمل، فإن (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة).

الأمر الثالث: لا تستطيع أن تحمل إنسانا مسؤولية ما حصل، وأنت لا تدري هل الذي حصل كم فيه من الخير، فمن الخير الذي فيه أن يخرج من هذا الأب – الذي تراه مقصرا – من يتذكر الوقوف بين يدي الله، من يخاف من الله تبارك وتعالى.

إذا كنت قد أحسنت فأرجو أن تحافظ على الحسنات التي عندك، فليس هناك إنسان يعلم الغيب، وليس هناك إنسان مسؤول عما ترتب عن تخلي والده عن مسؤولياته، ولكن إذا تخلى الوالد عن مسؤولياته فالله يسأله، وإذا تخليت أنت عن مسؤولياتك تجاه الوالد أو تجاه إخوانك يسألك الله. فلذلك تقصير الوالد لا يبيح لنا التقصير، فأرجو أن تقوم بما عليك كاملا.

اعلم أنه لا يمكن لشيء أن يحدث في هذا الكون إلا بقدر الله، ولكن الفقيه هو الذي يرد أقدار الله بأقدار الله، والحمد لله الذي أعانك على القيام بمسؤوليات تجاه والدك وتجاه إخوانك، فأبشر بالخير، واستمر في القيام بما عليك، وتعوذ بالله من شيطان يريد أن يشوش عليك، وهم الشيطان أن يحزن أهل الإيمان، وأرجو أن تدرك أن هذه المشاعر الخطيرة المخيفة التي يريد الشيطان أن تقع فيها هي من فعل هذا العدو، فعامله بنقيض قصده، واعلم أن ما قدره الله تبارك وتعالى فعلا هو الخير، قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار) يعني فيما يقدره الله، لأن الفكرة بسيطة، لأن الذي حجبه الله هو الأخطر، وهو الأسوأ، ولذلك كان عمر بن عبد العزيز يقول: (لو كشف الحجاب ما تمنى أصحاب البلاء إلا الذي كتب لهم).

نسأل الله أن يجعلنا جميعا ممن إذا أعطي شكر - وأنت أشرت إلى النعم، فركز عليها، واحمد الله عليها لتنال بشكرها المزيد - وأن يجعلنا ممن إذا ابتلي صبر، فإن من ابتلي صبر ارتفع درجات ونال بصبره مراتب ما كان ليبلغها إلا بصبره على البلاء، و{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، وكذلك أيضا نسأل الله أن يجعلنا ممن أذنب استغفر، وهذا ما نختم به، ندعوك إلى الاستغفار والتوبة، وتعوذ بالله من هذه الوساوس التي يأت بها الشيطان، ونكرر الترحيب بك في الموقع، وأرجو أن تغير طريقتك، وتستمر في التواصل، حتى نضع معك النقاط على الحروف.

عموما: عليك الدعاء، وإحسان الظن بالله، وتغيير هذه الأفكار السالبة، والقيام بما لديك تجاه الوالد، والقيام بما لديك بما تستطيع تجاه الأسرة، وثق بأن الله تبارك وتعالى بيده ملكوت كل شيء، وأن هذا الكون ملك لله، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراد الله، {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}.

ندعوك إلى النظر إلى حال من هم أسوأ من حالك، فإن الإنسان إذا نظر إلى من هم أقل منه في الدنيا – كما وجهنا الرسول صلى الله عليه وسلم – وجد لسانه يلهج بذكر الله والثناء عليه.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية.

مواد ذات صلة

الاستشارات