السؤال
السلام عليكم.
سابقا كان لدي وساوس قهري في الصلاة والطهارة، وأشياء وجودية، وأشياء تخيلية بشعة، مع أنني كنت في وقتها ملتزمة كثيرا بالصلاة، وقيام الليل، وكنت أحفظ القرآن، حفظت 10 أجزاء، وأدرس الأطفال اللغة العربية من خلال كتاب التبيان.
عانيت منه كثيرا وطويلا ثم يسر الله لي طبيبا نفسيا، وقتها لم أكن أقتنع بالأطباء النفسيين، وأعتقد أن الشفاء يأتي من الله دون بذل السبب، فأعطاني دواء (بروزاك) في أول العلاج تألمت كثيرا، وراودتني فكرة الانتحار إلا أن الطبيب أخبرني أنه شيء طبيعي، وسوف أتجاوز هذه الحالة قريبا.
المهم أخذت الدواء لمدة 6 أشهر ثم قطعته برغبة مني، وكنت وقتها في المرحلة الأخير في الثانوية، عدت أتضرع إلى الله كي أنجح في البكالوريا، فأنا طوال الأشهر السابقة لم أدرس إلا وقت المذكرات، درست فعليا في آخر شهر قبل الفحص، ونجحت -الحمد لله-، الآن أنا في السنة الثانية في الجامعة، أحس أنني بعيدة عن الله؛ لأنني خففت جدا من عباداتي أي النوافل قطعتها لكي يتركني الوسواس، وأيضا قراءة القرآن، الآن أحاول العودة ولكن لا أحس بالإيمان كالسابق، ولا همة على الطاعات، ولا الدراسة، ولا فعل أي شيء.
حاولت تنظيم وقتي، وصممت جدولا التزمت به يومين ثم قطعت، تكلمت مع آنسة كي تراجع لي القرآن أيضا أراجع يومين ثم أقطع أسبوعا ثم أراجع وأسمع وهكذا.
أجوكم أخبروني هل أنا مؤمنة؟ وهل يمكن لي أن أرجع مثل السابق؟ أنا لست متفائلة في طبعي، فكيف أتغير؟ وأعاني من شيء يزعجني كثيرا وهو أنني لا أثق بأحد أخاف أن أفضض لأحد وينقل ما أقوله لشخص آخر، أحس أن همي يخنقني، ولا أبوح لأمي لكي لا تحزن علي، ملاحظة الوساوس انقطع.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rose حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية، وأشكرك على ثقتك في إسلام ويب.
أنا تدارست رسالتك بكل دقة، وطبعا لديك – كما تفضلت – وسواس قهري فيما مضى، وتم علاجه بصورة جيدة لدرجة كبيرة، والآن مشكلتك هي التردد والتباين في المزاج والفكر، والتذبذب، وأنك غير راضية بصفة عامة عن أدائك.
أنت ذكرت أن الوسواس قد انقطع – أو هكذا ملاحظتك – لكن هذا التردد الذي تحدثت عنه وكل الأعراض التي ذكرتها حقيقة هي مرتبطة بالوسواس القهري، ويظهر أن شخصيتك – أو البناء النفسي لشخصك الكريم – أصلا فيه شيء من الوسواس، والوسواس ليس كله شر، الوسواس لدرجة بسيطة يعلم الإنسان الانضباط، ويعلم الإنسان الدافعية والدقة في أدائه، ويعلم الإنسان تنظيم وقته، لكن طبعا حين يشتد يؤدي إلى إشكالات كبيرة.
فكل الذي لديك هو نوع من (التردد الوسواسي). الآن أنا أقول لك: ارجعي للدواء، العلاج الدوائي مفيد جدا في هذه الحالات، ويجب أن تستفيدي من الدواء لتأصيل وتثبيت الآليات السلوكية المتعلقة بنمط الحياة، بمعنى آخر: أن الدواء سوف يساعدك كثيرا ويشعرك بالراحة لتقومي بوضع جداول يومية تطبقيها بكل دقة، والهدف من هذه الجداول هو تنظيم وقتك، وإدارة وقتك، تحقيق طموحاتك وغاياتك وأهدافك، لأن الدواء من خلال فعاليته على مادة الـ (سيروتونين) يهشش كثيرا التردد الوسواسي.
فإذا البروزاك هو دواء رائع جدا – توجد أدوية أخرى – ابدئي في تناوله بجرعة كبسولة واحدة (عشرين مليجراما) يوميا لمدة شهر، ثم اجعليها كبسولتين يوميا، لأن هذه هي الجرعة العلاجية، تناوليها لمدة شهرين، ثم اجعليها كبسولة واحدة يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.
وفي ذات الوقت ابدئي بتنظيم الوقت، وحددي الأهداف، وتنظيم الوقت يجب أن يبدأ من خلال تجنب السهر، والاعتماد على النوم الليلي المبكر، والاستيقاظ مبكرا لأداء صلاة الفجر، ودائما هذه بدايات عظيمة جدا، لأن البكور فيه بركة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)، وقال: (بورك لأمتي في بكورها)، ويمكن أن تستفيدي من فترة الصباح بعد الاستحمام – لأن الاستحمام يعطي نشاطا وانتعاشا للإنسان – وتناول كوبا من الشاي، والاستعداد للذهاب للكلية يمكن أن تدرسي لمدة نصف ساعة أو ساعة، هذا وقت عظيم للاستيعاب، ... وهكذا، حين يبدأ الإنسان بهذه الإنتاجية العالية تكون درجة التفاؤل لديه كبيرة جدا، إذا إدارة الوقت على هذا النحو مهم جدا.
بعد ذلك ضعي جدولا يوميا، كخارطة ذهنية، أو اكتبي هذا الجدول، وكل الأنشطة التي يمكن أن تقومي بها – أكاديمية أو اجتماعية أو ترفيهية، أو صلاة وعبادة – كلها يمكن أن توفيها حقها تماما. وحقري الفكر الوسواسي، وحقري الفكر السلبي دائما.
الجئي للاستخارة في الأمور الكبيرة حين تختلط عليك، وأنا أراك بخير، وأريدك دائما أن تفكري وتتأملي في نفسك بعد ثلاث إلى أربع سنوات من الآن: التخرج إن شاء الله، التميز، الشروع في الماجستير، الدكتوراه، الزواج، ... وهذه ليست أحلام يقظة، هذه حقيقة، تحسن من دافعية الإنسان.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.