هل أغير تخصصي الجامعي، أو آخذ برأي أهلي وأستمر في دراستي؟

0 31

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب عمري 19 سنة، شاب جامعي مثله مثل غيره من الشباب الذين يدخلون تخصصات لا يحبونها ثم يحولون من التخصص، لقد ضاعت بي السبل ولم أجد أحدا يساندني أو يرشدني للطريق الصحيح، فوالله إني متعب ومرهق ولا أحب تخصصي الجامعي ( علم نفس )، لدرجة أنني لا أتحمل دقائق قليلة في مشاهدة إحدى محاضرات مساقاته، فقررت أن أحول رياضيات أو فيزياء، ولكن جاء الرفض من أهلي واللوم علي بذريعة أن تخصص الرياضيات فيه ركود وإشباع في بلدنا، مع العلم أني أحب هذه المادة كثيرا.

أرجو أن تنصحوني وترشدوني للاختيار الصحيح، هل أتبع ميولي بدراسة الرياضيات أم أستمر في دراسة علم النفس؟ مع العلم أنني قضيت سنة واحدة في دراسة علم النفس وكثير من الناس يلوموني لأني أضعت هذه السنة، حتى أن بعض الأشخاص قاطعوني ولم يعودوا يتحدثون معي عندما فتحت موضوع التحويل من التخصص، ومن ثم وصلت لدرجة أنني لا أعرف هل أنا أسير في الطريق الصحيح أم الخطأ!

آسف على الإطالة لكن الرفض الذي واجهته من أهلي دفعني لسؤال من هم أكبر مني، ومن هم أكثر حكمة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ali حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبك بك في موقعك بين آباء وإخوان يتمنون لك كل خير، ويسعدون بتواصلك معهم في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تعالى أن يفرج همك ويكشف كربك وييسر أمرك، وينير طريقك، ويدلك على ما فيه صلاحك وسعادتك.

وبخصوص ما سألت عنه؛ ففي الحقيقة هذه المشكلة ما زالت قائمة وإن كانت خفت نوعا ما! بعض الآباء وبعض الأهلي يريدون أن يكون أبناؤهم نسخة منهم، يدرسون ما درسوا، ويتوظفون في الوظائف التي هم توظفوا بها؛ لكن بشرط أن تكون هناك عوامل متوفرة في الأبناء، أما إن لم تكن العوامل موجودة؛ فلا ينبغي أن يقحم الأبناء إقحاما في أمور لا يحبونها ولا تناسب تفكيرهم وحدود عقلياتهم؛ لأن ذلك يعود عليهم بالسلب ويعوق تقدمهم العلمي. والأدهى من ذلك هو الالتفات إلى النظرة الاجتماعية وليس إلى قدرات الولد ومواهبه ومهاراته والمجالات التي يمكن أن يبدع فيها؛ والأبناء تجاه هذا الأمر ما بين مقحم ومكره -كما هو حالك- وما بين متكل على اختيار أهله له، ثم يفاجأ هذا الابن أن هذا ليس مجاله، ويكتشف أشياء يتمنى لو أنه عرفها من قبل حتى يشعر بمتعة الدراسة الجامعية، ويقع في حيرة وحرج مع أهله، وربما أرغم على إكمال الدراسة والنتيجة عدم نجاحه مهنيا، أو تأخره وفشله، وقد يصاب بحالة نفسية.

لذلك نتمنى من الآباء أن لا يختاروا التخصصات لأبنائهم وإنما يساعدوا أبناءهم في اختيار التخصص الأمثل، بناء على ملاحظتهم للأبناء وماذا يحبون من العلوم وأي فن يبدعون فيه، والنقاش معهم وإعطاؤهم الأمان والحرية في إبداء وجهات نظرهم ورغباتهم، ثم التعقيب على ذلك بأسلوب محبوب ومرغوب ومشجع، ويمكن الاستعانة بأهل الاختصاص وسؤال أهل الخبرة كمرشد المدرسة، أو مرشد أكاديمي من خارج المدرسة، أو مواقع تقدم هذه الخدمات، ويمكن أيضا حضور دورات في هذا الشأن.

أخي الحبيب، أنت ذكرت بأن أهلك اختاروا لك تخصص "علم النفس" وهو إن كان من التخصصات الراقية والمطلوبة والجميلة؛ لكننا متأكدون أن الأهل لم يشرحوه لك بأسلوب واضح، ولم تجلس مع أخصائي نفسي ليبين لك عن ماذا يتكلم هذا العلم الجميل، وبماذا يتعلق، يقول الله تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)؛ ولذلك إذا كان بالإمكان أن تراجع أخصائيا نفسيا وتجلس معه ليحدثك عن هذا العلم الرائع فنرجو ذلك، ويمكن القراءة عنه في الإنترنت، وإن كنت قد قرأت عنه بما فيه الكفاية ولم تجد راحتك فيه؛ فالحمد لله أنك في البداية، وباستطاعتك التحويل للتخصص الذي تريده، ولا تلم نفسك على هذه السنة؛ فبعضهم ينصح بأن الأفضل للطالب أن يباشر العمل بعد الثانوية ولا يستعجل على الجامعة، وينتقل من عمل إلى عمل حتى يأخذ خلفية كبيرة وثقافة غير قليلة عن المجالات التي يجد نفسها بها وسيبدع فيها، وعندها يقدم على الجامعة والأمور واضحة ويختار التخصص المناسب.

أخي الكريم، أنت فضلت تخصص الرياضيات، وذكرت بأنك تحب هذه المادة، لكن الحب قد لا يكفي؛ لا نقول ارض الآخرين على حساب راحتك ورغبتك، ولكن عند اختيار التخصص يفضل أن تفعل القاعدة التي تسمى قاعدة (رفق) وهي تختصر الكثير من الوقت عند اختيار التخصص:

فحرف الراء يعني: رغبة.

وحرف الفاء يعني: فرصة. فرصة العمل والوظيفة.

وحرف القاف يعني: قدرة. لديك من الفهم والحفظ ما يجعلك تتعلم بشكل ممتاز ولا تعاني.

ولو وضعت تخصص الرياضيات على ميزان هذه القاعدة؛ لوجدت أنك ترغب في هذه المادة، وعندك القدرة، لكن الفرصة ربما لا تكون موجودة كما ذكر أهلك بأن تخصص الرياضيات فيه ركود.

ولو وضعت تخصص علم النفس على ميزان هذه القاعدة؛ لوجدت أنك لا ترغب علم النفس بل تكرهه، وليست عندك قدرة على فهمه وتعلمه، وربما تكون الفرصة موجودة.

وعند المقارنة بينهما، نستطيع القول إن الفرص تظل أرزاقا مقدرة من الله، وإذا درست في تخصص تحبه فسوف تبدع فيه، وتكون نسبة الفرص أكبر بإذن الله تعالى، أما إذا درست في تخصص لا تحبه، وتدرسه وأنت مرغم ومكره، فأنى لك أن تبدع فيه؟! خاصة وأن علم النفس يحتاج إلى جهد إضافي؛ لأن تناوله قليل في عالمنا الإسلامي، وليس كالعلوم الأخرى.

ونصيحتنا لك:
1- أن تستعين بالله سبحانه وتعالى، وتتبرأ من حولك وقوتك إلى حوله وقوته، وأن تدعوه بأن يدبر لك فإنك لا تحسن التدبير، ويختار لك الخير ثم يرضيك به.

2- أن لا تجلد نفسك فتسبب الأذى لها، فسنة ليست بالشيء الكثير، وهناك من انتهى من دراسته الجامعية التي لم يجد نفسه فيها، وبعد ذلك درس من جديد في التخصص الذي يحبه وتخرج وتميز وأكمل دراسته العليا! وأنت نعتبرك أنك ما زلت في البداية.

3- اجلس مع أهلك وناقشهم بلطف، وابدأ بأقلهم تعنتا وتشددا، حتى تكسب من يؤيدك، ولا بأس أن تستعين بمن يثق فيه أهلك ليكلمهم؛ بشرط أن يكون مقنعا لبقا فاهما لهذه المسألة؛ بعد الاستعانة بالله تعالى.

4- لا تلتفت للوم الناس ولا لقطيعتهم؛ فهذه أمور تخصك، وهذا شأنك، ومن قاطعك ولم يتكلم معك فلا يضر إلا نفسه، وعاملهم بالحسنى ولا تحمل هم عنتهم وحنقهم، واسأل الله لهم الهداية؛ فإن دافعهم الحب لك.

وفي الختام أخي الكريم: لا يفوتنا أن نذكرك بأن تكون هادئا وتصلح العلاقة مع الأهل مهما بدر منهم؛ فكما لا يخفى عليهم ما دفعهم إلى معارضتك إلا حرصهم عليك وحبهم لك، فهم يريدون مصلحتك فانظر إلى نيتهم ولا تنظر إلى عملهم، ويمكنك أن تخبرهم بأنك شاورت أهل الاختصاص وستعمل بما أشاروا عليك به، ثم يا أخي نؤكد عليك بأن تجتهد وتكون رقما متميزا في تخصصك ومجالك، لأن كثرة من يتخصص فى الرياضيات يجعل الفرص لمن هم أكثر تميزا وعبقرية، وبهذا تكون قد تخلصت من مسألة قلة الفرص بعد توفيق الله سبحانه.

نسأل الله تعالى أن يصلح بالك، وأن يهدئ قلبك، وأن يختار لك ما فيه الخير.

مواد ذات صلة

الاستشارات