السؤال
السلام عليكم
أنا أصبت بالوسواس القهري، وأنا بعمر ١٣ سنة، ابتدأ معي بوسواس الموت، وكنت أخاف أن أنام وأموت، أهلي عالجوني من خلال السور القرآنية، وأدعية، وكانت أمي تقول لي مثلا: إذا نمت وأنت متوضئة لا تموتين في النوم.
بعدها زال عني وسواس الموت، لكن صار بعده وسواس أفعال، مثلا إذا ما فتحت الباب ثلاث مرات سأرسب في الامتحان! بالإضافة إلى وسواس العبادات.
عموما الوساوس الجديدة ما أخبرت عنها أحدا من أهلي، وأهلي يعتقدون أني تعالجت من وسواس الموت وانتهى، لكن الحقيقة أني ظهرت لي وساوس جديدة!
علما بأن وسواس الموت تعالجت منه بفترة قصيرة، وحاليا أنا بعمر ٢٣ سنة، والوسواس معي ١٠ سنوات، ولا أحد يعرف بمرضي.
الحمد لله أتممت دراستي الثانوية ودخلت الجامعة وتخرجت، ووسواس العبادات غالبا أحاول تجاهله وهو خف بصورة كبيرة.
أما وسواس الأفعال يطلع معي إذا توترت، لكن تقريبا من كم شهر قررت أن أبدأ ختمة قرآنية، وعندما كنت في الأجزاء الأخيرة وأثناء قراءتي في القرآن طلع عندي وسواس في العقيدة، وفي وجود الله! كان أقسى وسواس مر علي.
لقد أحسست كأني صرت شخصين، شخصا مقتنعا بوجود الله والثاني يقول لا! وأكملت قراءة القرآن وأنا أبكي، وخائفة من الأفكار التي تظهر، وبعدها شيئا فشيئا بدأ يخف هذا الوسواس لكنه يرجع مع العبادات المستحبة وأوقات يرجع بصورة أنت ترى كفرت بربك، لأن شككت بوجود الله!
علما بأني مداومة على صلواتي والواجبات، أنا ما استشرت ولا أي طبيب من بداية المرض، كيف أتخلص من الوسواس بدون أدوية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.
كما تفضلت لديك تاريخ طويل نسبيا مع الوساوس، لكن يظهر أنها كلها وساوس خفيفة وبسيطة، ولم تعطل أو تعق حياتك، والوساوس يعرف عنها أنها بالفعل يمكن أن تتغير في محتواها، وكذلك تتغير في قوتها وشدتها وآثارها النفسية والاجتماعية.
الوساوس الدينية وساوس شائعة جدا، والوساوس نعالجها من خلال بعض الفنيات السلوكية، وكذلك من خلال تناول بعض الأدوية، أنت ذكرت أنك لا تريدين تناول أدوية، لكن أنا من واجبي أن أذكر لك الرزمة العلاجية متكاملة.
أولا: الوساوس يجب ألا يناقشها الإنسان، ولا يحاورها الإنسان، ولا يحاول أن يدخل في محتوياتها الدقيقة، لأن ذلك يزيدها ويثبتها.
أنت الآن لديك الوساوس النمطية، وساوس الأفعال التي تحدثت عنها، وهذه يجب أن تقاوم، لا تتبعيها أبدا، وحقريها تحقيرا تاما، إن متابعتها ستسبب لك قلقا، وأريدك أن تصبري على هذا القلق، وتكرري نفس التمارين (تمارين الرفض، تمارين صرف الانتباه) تماما على الوسواس، وعدم الاستجابة له، وستلاحظين أن القلق سيقل تدريجيا إلى أن ينتهي تماما.
إذا المبدأ هو أن تواجهي الوسواس، ولا تتجنبيه، ولا تطيعيه أبدا، ولا تحلليه، وفي ذات الوقت اصرفي انتباهك عنه، هذا مهم جدا، والوساوس الفكرية مثل الفكرة التي تأتيك أنك صرت شخصين: شخص مقتنع بوجود الله، والثاني يقول لا: هذا وسواس يجب أن يحقر، وتخاطبين الفكرة مباشرة قائلة: (أقف، أقف، أقف، أنت وسواس حقير، لن أهتم بك، أفي الله شك فاطر السموات والأرض، اذهب عني أيها اللعين)، تجلسين في مكان هادئ كالغرفة مثلا، وتضعين صورة ذهنية بسيطة لهذا الوسواس أمامك وتخاطبينه (أقف، أقف، أقف) عدة مرات، حتى تحسين بالإجهاد.
هذا تمرين يسمى بتمرين (إيقاف الأفكار)، وهناك تمرين ثان نسميه بتمرين (صرف الانتباه)، نفس هذا الوسواس في بداياته انتقلي إلى فكرة أخرى، مثلا تأملي في حركة التنفس لديك بكل عمق، كيف أن هذا الأكسجين يدخل في الرئتين، وكيف ينتشر في الدم، وما هي فائدته، وتقومين بعد ذلك مثلا بعد التنفس لديك لمدة دقيقتين أو ثلاث.
هذا تمرين يسمى بـ (الاستغراق الذهني) أو (صرف الانتباه)، وهو تمرين ممتاز جدا، الإنسان إذا أداه بكل جدة وتعمق يصرف الانتباه عن الوسواس، وطبعا حين ينصرف الانتباه عن الوسواس ستضعف الفكرة الوسواسية تلقائيا، لكن هذه التمارين تتطلب التكرار، مثلا: إذا كان صرف انتباهك في المرة الأولى عن طريق وضع التنفس، بعد ذلك تنتقلين إلى أمر آخر، مثلا تتفكرين في القمر وخلق القمر، وشيء من هذا القبيل.
التمرين الثالث هو التمرين التنفيري، أن تستجلي هذه الفكرة الوسواسية في بداياتها، وفي نفس الوقت مثلا تقومين بالضرب على يدك بقوة وشدة، اضربي بيدك على سطح طاولة مثلا، ويجب أن تحسي بألم شديد، اربطي بين هذا الألم وبين الفكرة الوسواسية، وكرري التمرين، هذا سيضعف الوسواس، وهكذا.
تمارين الاسترخاء أيضا مهم ممارستها، وممارسة الرياضة أيضا مهم، والتخلص من الفراغ، هذا كله يعالج الوسواس.
هناك دواء رائع يسمى تجاريا (بروزاك) واسمه العلمي (فلوكستين)، هو من أفضل الأدوية التي تعالج الوساوس القهرية، كما أنه يحسن المزاج بصورة واضحة جدا، وهو قطعا لا يؤثر أبدا على الهرمونات النسائية، ولا يزيد الوزن، ولا يزيد النوم، وهو غير إدماني وغير تعودي.
تبدئي في تناول البروزاك بجرعة كبسولة واحدة - أي عشرين مليجراما - تتناولينها يوميا، يفضل تناوله نهارا بعد الأكل، استمري على جرعة البداية هذه لمدة شهر، ثم اجعليها كبسولتين يوميا - أي أربعين مليجراما - وهذه هي الجرعة العلاجية المناسبة في حالتك، استمري على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم انتقلي الجرعة الوقائية، بأن تجعلي الجرعة كبسولة واحدة في اليوم - أي عشرين مليجراما - لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم اجعليها كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.
أرجو الالتزام بكل التوجيهات والإرشادات والعلاجات السلوكية المعرفية، وكذلك تناول العلاج الدوائي، واجعلي نمط حياتك نمطا إيجابيا. هذه العوامل تتضافر مع بعضها البعض وتؤدي إلى نتائج علاجية رائعة جدا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.