السؤال
كيف أفرق بين الحب الحقيقي والوهمي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز/ Mohssin حفظه الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فنسأل الله أن يرزقنا حبه وحب كل عمل يقربنا إلى حبه، وأن يحشرنا في زمرة أحبابه وأوليائه.
إن الحب ملك يتصدر عرش العواطف والأحاسيس، ويدفع الأرواح إلى كل غال فتحب الله، وقد يدفعها إلى كل رخيص فتتعلق بالصور والمظاهر فتهلك وتتيه، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، والحب عند معشر المسلمين إيمان وإيثار وتضحية واستبشار بل هو عقيدة ونور وقرآن وحبور وطهارة وسرور، وصلاح العبد في أن يصرف قوى حبه لله وحده فيوحد محبوبه ويرسم طريق محابه الأخرى وفق مراد محبوبه الأعظم، فيحب في الله ويبغض في الله ويوالي في الله ويعادي في الله وتلك أوثق عرى الإيمان.
وقد تعددت معاني كلمة الحب فقيل هو اسم لصفاء المودة، وقيل هو الاهتياج إلى لقاء المحبوب، وقيل هو تعظيم في القلب يمنع الانقياد لغير المحبوب، بل وتعددت الأسماء حتى أوصل ابن القيم أسماء المحبة إلى نحو من الستين، وذلك في روضة المحبين، وقد تعرض لاشتقاق تلك الأسماء إلى أن قال: وقد قيل في المحبة حدود، وكل ذلك تعنت؛ لأن المحبة لا توصف بحد إلا بالمحبة، وأشار إلى أن التعظيم للمحبوب هو أثر من آثار المحبة وليس هو المحبة بنفسها، فإن المحبة إذا كانت صادقة أوجبت للمحبوب تعظيما يمنع المحب من الانقياد لغيره، وهذا حال من أحبوا الله فأطاعوه.
والحب الحقيقي هو حب الله ثم محبة رسوله، وبرهان حب الله اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله))[آل عمران:31] فالنفوس السماوية العلوية مشغولة بما يقربها إلى ربها، والنفوس السبعية التي فيها صفات السباع والوحوش منصرفة إلى البغي والعدوان والتكبر والافتخار، والنفوس الحيوانية مستغرقة في الشهوات، وإذا أصبح الإنسان مقودا لغضبه وكبره ومسايرا لشهواته وقع في الحب السقيم حب الفارغين الباطلين الذي ينطفئ بالظلم والبطش ويتلاشى ببلوغ اللذة المحرمة وتبقى الآهات والحسرات ويورث الأسف والتلف ولا خير في لذة من بعدها سقر.
ونحن في زمان كثر فيه اللاهثون وراء السراب وكثر مدعوا المحبة، فهناك الحب العذري الذي ينتهي بالهلاك بل قد يوصل إلى العشق والإشراك وقد فتن بعض الأشقياء بالفتيات والمردان ثم انتشر ما يسمى بالإعجاب وهو عشق شيطاني تنحرف فيه العواطف فتتعلق الفتاة بمثلها لمظهرها أو هندامها أو ضحكتها أو مكياجها.
وهناك حب جبل الله عليه النفوس، حب الإنسان لولده وحب الإنسان لنفسه وأهله ولا ضرر في ذلك إلا إذا زاد عن حده، وزاد عن حب الله ورسوله وخرج عن مراد الله فلم يكن وفق منهج الله فنحن نحب أهل الإيمان لإيمانهم فإذا كان الوالد من أهل الإيمان زدنا في إكرامه ونكره في عصاة المسلمين عصيانهم ونتقرب إلى الله ببغض أعدائه مع حرصنا أن لا يحملنا ذلك على ظلمهم لأننا نتمنى الخير والهداية لكل الناس.
ونحن نحذر شبابنا من المخالفات التي يقع فيها بعض الغافلين تحت مسمى الحب، فيجعلون لأنفسهم خليلات ويقضون في مكالمات الساعات ويزين لهم الشيطان الفحش والمنكرات، وذلك مما يغضب رب الأرض والسماوات الذي أكرمنا بشرع يحفظ العرض ويصون الحرمات، والحب الشرعي الحقيقي هو ما كان بعد الرباط الشرعي؛ لأنه حب وميل محكوم بآداب هذه الشريعة التي لم تترك خيرا إلا ودلت عليه ولا شرا إلا وحذرت ونهت عنه، وأكثر البيوت عمارا بالحب هي بيوت المؤمنين الذاكرين لرب العالمين، فإن الإنسان إذا أطاع ربه أحبه، وصرف القلوب إليه ولا عجب فإن الله يقول: ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا))[مريم:96].
فكل حب وميل لا يقوم على أساس من الإيمان والتقوى والرعاية لأحكام الدين هو حب وهمي سيعذب الله به أهله في الدنيا، مع ما ينتظرهم في الآخرة إذا لم تدركهم عناية الله.
والله ولي التوفيق والسداد.