السؤال
السلام عليكم.
عندي مشكلة تتعلق بالمواجهة، أي الكلام وجها لوجه مع الآخرين، وهذه بدأت ألاحظها على نفسي منذ فترة قريبة، وهي أنني عندما أتكلم مع شخص أيا كان حتى إخواني وزوجي إذا كان كلامي قويا، وفيه شيء قد يزعج الشخص الآخر، أو كما أعتقد فلا أستطيع النظر في وجهه، وأحيانا حتى عندما أتكلم مع أحد بمواضيع عادية، فلا أنظر لعينيه فأتجول بنظري في الأرجاء، أو قد ألتهي بمداعبة ابني وغيرها من التصرفات، وأحيانا قد أنظر لنفسي بالمرآة عندما أتكلم مع شخص آخر لا أستطيع التركيز معه فقط أركز بالمرآة أحاول رؤية تعبيراتي عند الحديث، أو إذا لم تكن هناك مرآة قد أفكر لاحقا كيف كانت تعبيراتي.
وأفكر دائما بما قلته وأراجعه بعد انتهاء الجلسة، وأنا أخاف من ردة فعل الآخرين، وفي بالي تدور تساؤلات إن كنت أخطأت بكلمة ما أو ماذا سيصدر عني.
باختصار أنا أعطي قيمة كبيرة لوجهة نظر الآخرين حولي، وذلك لأنني أريد دوما أن أبدو بنظرهم جيدة ومثالية، وأعرف أن هذا خطأ.
حاولت كثيرا أن أعبر عن نفسي بالكلام، وليس بالكتابة، لكن بقيت مشكلة الضعف الموجود بداخلي والتهرب من نظراتهم، حتى لو كانوا غرباء، أستطيع فقط أن أعبر عن نفسي بهوية مجهولة أو عن طريق الكتابة، وإن حاولت إبداء رأيي بصراحة في أمر أجد منهم "المقربين" هجوما، ولذا أصبحت دوما مترددة، لا أستطيع اتخاذ قرارات، وإن فعلت فإنني أستنجد فورا بهم، وأطلب التوجيه والدعم، وأعتمد على الأشخاص الذين أثق بهم، وهم قليلون على فكرة في اتخاذ القرارات عني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أمير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -بنتنا وأختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك التواصل مع الموقع، ونحيي لك هذا السؤال، وإنما شفاء العي السؤال، نسأل الله تبارك وتعالى أن يملأ نفسك طمأنينة وأمنا وأمانا، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
لا شك أن ثقة الإنسان في نفسه فرع عن إيمانه بالله وثقته بربه العظيم، أرجو أن تعلمي أن الناس لا يملكون لنا نفعا ولا ضرا، بل لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولذلك أرجو أن يأخذ الناس مقامهم الصحيح، فكلنا ذلك الإنسان الضعيف، فالذي لا يسلم من الأخطاء ولا يسلم من الزلل، ولكن الإشكال هو أن يقف الإنسان أمام أخطائه ويتجاوز عن الآخرين، من المشكلات أن نصغر أنفسنا ونعظم الآخرين، نحقر أنفسنا ونعظم الآخرين، مع أن هذا الآخر الذي يقف أمامنا أخ أختا زميلا صديقا، صديقة لك مثلا هي في النهاية بشر، لها أخطاء، وأنت كذلك من البشر، فالإنسان لا ينبغي أن يعطي الأمور أكبر من حجمها، واعلمي أن الخوف من الوقوع في الخطأ هو الذي يوقع الخطأ، ويجلب الارتباك، والإنسان ينبغي أن يتكلم على طبيعته وعلى سليقته دون أن يبالي بوجهة نظر الآخر، فإن الإنسان ينبغي أن يطلب رضا الله، أما رضا الناس فإنها غاية لا تدرك.
ولا تقفي طويلا أمام المواقف التي عاتبك فيها الأهل أو أحد الأقربين؛ لأن الإنسان لا يعدم من عندهم ميلا إلى النقد، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، ولكن المهم هو أن يحرص الإنسان على أن يؤدي حياته بطريقة سليمة، يخالط الناس ويصبر على أذاهم، يتكلم بالكلام الذي في نفسه، وإذا كان في الكلام خطأ فلا مانع من أن يعتذر الإنسان.
أما أن يتكلم الإنسان مع الناس دون أن ينظر إليهم أو ينظر للمرآة أو يتشاغل عنهم فإن من الناس من يفهم ذلك بأنه نوع من الاحتقار لهم أو عدم الاهتمام بشخصياتهم.
لذلك أرجو أن تتدربي أولا في الكلام مع أبناءك، مع الصغار، ثم مع الزميلات والصديقات المحببات، ثم تنتقلي بعد ذلك لتتكلمي مع الآخرين بالطريقة الصحيحة المعقولة.
أما إذا تكلمت المرأة مع رجل أجنبي، فهذا هو مكان الخجل، والحياء هنا، وهنا جانب إيجابي، لكن إذا كان الكلام مع الأهل، مع الأخ، مع الأخت، مع الوالد، مع الوالدة، فينبغي للإنسان أن يتكلم بطبيعته، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
مما يعينك على استعادة الثقة: اللجوء إلى الله، اكتشاف ما عندك من مواهب وقدرات ونقاط قوة، وشكر الله تبارك وتعالى عليها.
التأكد أن الناس جميعا ضعفاء، ولهم جميعا أخطاء، وطوبى لمن تنغمر سيئاته القليلة في بحور حسناته.
الأمر الرابع هو: أن تعتقدي وتتذكري أن الناس لا يملكون لأنفسهم فضلا عن غيرهم ضرا ولا نفعا.
الأهم من كل هذا أن تجعلي همك إرضاء الله، فإن الله إذا رضي يوشك أن يرضى الناس؛ لأن الإنسان ينبغي أن يلتمس رضا الله وإن سخط الناس، وليس العكس، وإذا رضي الله عن الإنسان أمر جبريل أن ينادي (إن الله يحب فلانا فأحبوه) فيحبه أهل السماء، ثم يلقى له القبول في الأرض، وإذا أقبلت بقلبك على الله أقبل الله بقلوب خلقه إليك.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يحببك إلى خلقه، وأن يحبب إليك الصالحات منهن، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.