عندما أقرأ عن إنجازات الآخرين أحتقر إنجازاتي، فما الحل؟

0 46

السؤال

هل الشعور باحتقار الإنجازات شعور صحيح؟ فمثلا أسمع عن أشخاص عانوا في حياتهم من الطرد من البيوت، والاعتداء، والسجن وما إلى ذلك من المعاناة أو أنه مثلا له جمهور يستطيع التأثير فيهم ويستطيع نشر الحق بينهم، فأشعر عندما أقرأ ما حدث لهم بأنني إنسان فاشل، رغم أني فعلت إنجازات جيدة، مثل الإقلاع عن الإباحية، ومواظب على الصلاة بالمسجد، ولست مصرا على أي ذنب، وتعرضت لمعاناة مثل الوحدة أيضا وغيرها من الأشياء الصعبة إلا أنني أحتقر نفسي وأشعر أني لم أنجز أي شيء وأنني مترف، ولست أفهم هذا الشعور ولا أدري كيف أتعامل معه! وأشعر أن علي أن أنجز أكثر وأتعلم أكثر، وأن يكون لي تأثير في الناس، وأن يكون لي قيمة؛ لأني أشعر أنه ليس لي قيمة، حتى أني إذا مثلا غبت عن المدرسة لا يلاحظ أحد غيابي ولا يهتم أي أحد!

فما هو التصرف الصحيح مع تلك المشاعر؟

وبالمناسبة: هل علم النفس علم جميل؟ لأن مثل تلك المشاعر التي تروادني أريد أن أفهمها، وأريد أيضا فهم تفكير الناس، وكيف أن الثقافات الغربية تزرع فينا وتغير الفطرة والمفاهيم الأساسية عندنا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك ابننا الفاضل في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل والسؤال، ونسأل الله أن يهديك للخير، وأن يبعث في نفسك الهمة، وتعوذ بالله من العجز والكسل، فإن العجز نقص في التخطيط، والكسل نقص في التنفيذ.

ولكننا نحب أن نهنئك ونبشرك بأن الذي يحافظ على الصلوات في المسجد لا يمكن أن يكون ضعيف الإنجاز، فالتقي حقا هو البطل حقا، فالبطولة في تقوى الله وفي ترك ما يغضب الله تبارك وتعالى، وهذا في حد ذاته من أعظم الإنجازات التي أرجو أن تحافظ عليها، فكلما ابتعدت عن المعاصي والأمور التي تغضب الله تبارك وتعالى فهذا يعني أنك صاحب همة عالية، ويعني أنك من هؤلاء الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله، (وشاب نشأ في عبادة الله)، ويعني أنك وضعت نفسك في موضعها، وسلكت الطريق الصحيح، لأن النفس إنما تكتسب القيم والرفعة بحسب الطاعة لله وبحسب الاتباع للنبي عليه صلاة الله وسلامه.

النقطة الثانية: نحن نخطئ – يا بني – عندما ننظر إلى إيجابيات الآخرين وسلبياتهم، لأن للآخرين سلبيات يخفونها، أما في حق أنفسنا فنحن نعرف سلبياتنا، وما ينبغي أن نحتقر ما عندنا من الإيجابيات، جميل أن يعرف الإنسان ما عنده من نقص فيسعى لإكماله، وأجمل من ذلك أيضا أن يساعد نفسه ويكافئها على الإحسان، ويفرح بطاعته لله تبارك وتعالى، وبما يحصل له من الخير، وبما ينجز من أعمال مفيدة ونافعة.

والحمد لله إذا كان الشعور بهذه الطريقة دون أن يحتقر الإنسان ما عنده، دون أن يضخم الآخرين أو ينظر إلى حسناتهم ثم يصاب بالإحباط، فإن الأمر سيكون مفيدا، لأن الإنسان إذا شعر أنه مقصر فإن عليه أن يجتهد، وعليه أن يتقرب إلى الله أكثر، وعليه أن يجتهد فيما يرضي الله تبارك وتعال، ومثل هذا الشعور هو الذي دفع بعض الصحابة ممن أسلم متأخرا لمضاعفة المجهود، كما فعل عكرمة رضي الله عنه، الذي أكب على كتاب الله وأقبل عليه، يريد أن يعوض ما فاته، الذي جالد أعداء الله ونافح في نشر الإسلام، وكان إذا طلب منه أن يتأخر لمصلحة يقول: (أنا حاربت محمدا وتريد أن أتأخر في حرب هؤلاء؟) ولذلك هذا الشعور يكون صحيحا عندما يحاول الإنسان أن ينجز أكبر الأعمال في طاعته لله، وأن يسعى في سلم المعالي حتى في أمور الدنيا، ويبتغي في كل ذلك وجه الله تبارك وتعالى.

هذا الذي تشعر به طبيعي، ولكن غير الطبيعي هو أن تصاب بالإحباط، فتعوذ بالله من شيطان همه أن يحزن أهل الإيمان، واعلم أن أحسن علم للنفس هو ربط هذه النفس بالله، واكتساب الثقة التي فرع عن الإيمان بالله تبارك وتعالى، اليقين بأن التوفيق بيد الله تبارك وتعالى، والمؤمن يفعل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب، وعلم النفس فيه الحقائق الكثيرة، لكن ما ينبغي أن نرتبط بنظريات غربية لا تربط هذا العلم بالله، بل ينبغي أن نعود بهذه النفس إلى خالقها {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والثبات، والطمأنينة والهداية.

مواد ذات صلة

الاستشارات