السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة بطبيعتي لا أستطيع أن ألتزم بشيء بشكل منتظم لفترة طويلة، مثلا في أيام الدراسة أراكم المواد لفترة ثم أتنشط وأنهي كل شيء وبتفوق، وعندما تزوجت حدث معي نفس الأمر، أصبحت أمور المنزل تتراكم علي أحيانا من ترتيب أو تنظيف، ولكن عندما أبدأ أنهي كل الأمور وبدرجة عالية من النظافة والإتقان، ولكن هذا يسبب الهم لزوجي، فهو لا يحب أن يرى البيت في حالة فوضى ولكنه لا يبدي ردة فعل إلا القليل من الكلام.
مع العلم أنني أحاول جاهدة تحسين حياتي، وأفصل الإنترنت من المنزل، وأصبح نشيطة لمدة أقصاها عشرة أيام ثم تعود الفوضى يومين وهكذا.
وهذا أمر أعانيه في كل شيء، في التزامي بالعبادات، وحفظي للقرآن، والتزامي بأي برنامج، وأنا أحب التميز جدا، ولكن لا ألتزم، فمثلا الأسبوع المنصرم داومت على حفظ القرآن وكان أسبوعا رائعا، ولكن عدت وانتكست، فما نصيحتكم لي؟ فأنا طالبة جامعية، ولا أحضر المحاضرات لما في الجامعة من اختلاط وحياتي في منزلي غالبا، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فاتن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، وسعدنا لأنك وضعت يدك على موطن الخلل، وإذا عرف الخلل سهل بإذن الله تبارك وتعالى الإصلاح. نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والتوفيق، وأن يكتب لك النجاح والفلاح.
أرجو أن تعلمي أن رسولنا صلى الله عليه وسلم علمنا أن نتعوذ بالله من العجز والكسل، لأن العجز نقص في التخطيط، والكسل نقص في التنفيذ، وهذا إعجاز من كلامه صلى الله عليه وسلم، فقد أوتي جوامع الكلم عليه صلاة الله وسلامه، فتعوذي بالله من العجز والكسل، واعلمي أن ما يحدث من تفريط وعدم انتظام في الحياة سيعود عليك بضرر كبير، وهذا لا يليق بالمتميزات من أمثالك المتقدمات في الدراسة، فلا تؤجلي عمل اليوم إلى الغد، واجتهدي في الالتزام ببرنامج ثابت، وهذا مطلوب في أمور الدنيا ومطلوب في أمور الآخرة، فخير البر أدومه وإن قل، والمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
من الخطأ أن يمكث الإنسان أيام بلا تلاوة، ثم يقرر أن يقرأ في اليوم عشرة أجزاء، لن يستمر على هذا، بل القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، ولذلك اكلفي من العمل ما تطيقين، واعملي لنفسك جدولا، وحاولي أن تلتزمي به، واجعلي بدايات هذا الجدول بمواقيت الصلوات، فإنها مفاتيح للخير، تصلي الفجر ثم تقومي إلى الأذكار، ثم الدراسة، ثم ترتيب المنزل، ثم ترتاحي قليلا، ثم تنهضي لصلاة الفجر، بعد الصلاة قليل من التلاوة، ثم تقومي ببقية الأعمال، ثم تستعدي لاستقبال زوجك، ثم تضعي معه برنامج فترة المساء، ثم بعد ذلك ... هكذا ينبغي أن يكون لك جدولا مرتبا.
واطلبي مساعدة زوجك، واعلمي أن الضيق الذي يحدث عنده في مكانه، لأن الإنسان يزعجه أن تعم الفوضى في المنزل، ويزعجه بعد ذلك أن تبذلي مجهودا كبيرا للترتيب، فلذلك أتمنى أن تجلسي مع زوجك وتطلبي منه المساعدة، واحرصي دائما على ترتيب هذه الأمور، وخاصة الطاعات، فحياة المسلم مرتبة، خمس مرات (حي على الصلاة، حي على الفلاح)، لو أنه رتب حياته على هذا المنوال فإن هذا سيكون فيه العون لك على دراستك وفي حياتك وفي تعاملك مع زوجك.
ولذلك نتمنى أن يتحول هذا الكلام إلى همة، ويتحول هذا الهم إلى عمل، فإن الإنسان لا يصلح أن يقول (أريد أن أفعل كذا) وهو في مكانه، فالحياة أمل، والأمل إنما يتحقق بالعمل، والعمل إنما يحدث بتوفيق من الله عز وجل، فاسأل الله التوفيق، واستعيني بالله، وتوكلي عليه، وبمجرد وصول هذه الإجابة أرجو أن تضعي أمامك جدول وورقة وتعلقي هذا الجدول، وتشاوري مع زوجك فيه، ثم تلتزمي بما تستطيعي، ولا ننصح بتكليف نفسك بأعمال صعبة، لأن الحماس لا ينفع، والنبي قال: (المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى) المتسابق الناجح ليس الذي يبدأ بسرعة عالية، ولكن هو الذي يبدأ بسرعة معتدلة من البداية إلى النهاية، ولا مانع أن يزيد السرعة في النهاية عندما يرى علامات الفوز، ولذلك هذا هو المنهاج الذي ينبغي أن تسيري عليه.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، ولا شك أننا سعداء بهذا السؤال؛ لأنه دليل على الشعور بالخلل والخطر، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والنشاط والهداية.