السؤال
السلام عليكم.
بداية أعتذر عن بعض الأسئلة الغريبة التي وردت مني ومتأكد أنها سببت لكم الإزعاج.
مشكلتي اليوم ببساطة هو أنني لا أمتلك شخصية؛ حيث قضيت أغلب طفولتي وحدي ولا أحد يهتم بي، وعندما صادقت أشخاصا كلهم كانوا سيئين وأصحاب سوء وغيره.
باختصار لا أستطيع المواجهة أو الرد بسبب الخجل والخوف من كلامهم قد يوقعني في ذنوب مثل خجلي من أن أطلب الخروج للصلاة وسط الدرس، مثلا أو الخوف من إنكار التحرش أو سب الدين في الشجارات التي تكون أمامي.
أنا لا أصلح لأن أعمل أو أتزوج أو أن أكمل حياتي هكذا، الميزة التي لدى الرجال ليست لدي ولن أستطيع التعامل مع الناس أو التكلم أمامهم، وعندما تقع مثل هذه المواقف تتسارع دقات قلبي ويحمر وجهي، وهذا يسبب لي أزمة؛ لأنه إذا ظللت هكذا سأفقد ديني وكل ما تعبته من أجل إزالة الشهوات من حياتي؛ لأني لن أستطيع مسايرة الناس، وأتحرج من توضيح سبب رفضي للسلام على النساء مثلا أو غيره، وكنت أتبع سياسة التهرب وعدم الخوض في هذه النقاشات من البداية أصلا، لكنها مسألة وقت وأدخل الجامعة وسأعمل وغيره وسأقع في مثل هذه المواقف، ولست أعلم كيف سأستطيع غض بصري أو التعامل معهم في العمل وغيره لكونه مختلطا وبه متبرجات، وقد يطلبن مني شيئا وكيف سأكلمهن أو أتعامل معهن إذا احتاجت شيئا، ونفس الأمر يسبب لي عدم الاحترام وعدم التقدير وعدم اعتبار الآراء، ولا أحد يحترمني حتى أن هناك أطفالا يزعجونني كل الوقت، وحتى إذا صرخت عليهم لا يحترمونني ويظلون يستهزئون ويقلون أدبهم، وأنا أعلم أن الحل سيكون صعبا لكني أحتاجه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وكما تفضلت لديك استشارات سابقة، والملاحظ قطعا هو أنك تقلل من قيمة ذاتك، وهذا طبعا هو جوهر المشكلة، وأن تعزي هذا الأمر لمرحلة الطفولة، حيث أنك لم تجد الرعاية والاهتمام اللازم كما تظن.
أيها الفاضل الكريم: الفكر السلبي يؤدي إلى مشاعر سلبية، ويؤدي إلى حالة سلبية، وهذه الثلاثة –أي الأفكار والمشاعر والأفعال– هي التي تمثل المثلث السلوكي عند الإنسان، وما يراه الإنسان حول نفسه بكل أسف سوف ينعكس على تصرفاته.
أنت الآن ترى كل شيء سلبي في حياتك، وهذا خطأ، خطأ كبير جدا، فأنت محتاج حقيقة أن تغير مفهومك حول ذاتك، ويجب أن تكون منصفا لذاتك، ليس هنالك أبدا ما يجعلك تقلل من شأن نفسك. نعم الإنسان لا يضخم ذاته، لأن هذا أيضا يسبب إشكالات كبيرة، لكن في ذات الوقت لا يقلل من قيمة ذاته.
والبحث عن أسباب الإخفاق والكلام عن الطفولة والتربية الخاطئة: هذا باب يجب أن يقفل، يجب أن يوصد، لأن الشيء المتفق عليه هو أن الحاضر أقوى من الماضي، والإنسان يجب أن يعيش قوة الحاضر، ولا يعيش ضعف الماضي، ولا يعيش الخوف من المستقبل، فالمستقبل بيد الله، وما دام الإنسان قد تعامل مع حاضره معاملة صحيحة وإيجابية فبحول الله وقوته المستقبل سوف يكون أيضا إيجابيا.
فإذا أنت مطلوب منك أن تغير مفاهيمك حول ذاتك، وتفهم ذاتك كما هي على حقيقتها، لا كما تعتقد أنت، ثم بعد ذلك تسعى لتطوير ذاتك، وتطوير الذات يمكن جدا وليس بالصعب. مرة أخرى: يقوم التطوير على مبدأ تطوير الأفكار، والمشاعر والأفعال.
أنت محتاج لصحبة طيبة، هذه هي النقطة الأساسية والارتكازية، والصالحون من الناس موجودون ولا شك في ذلك. أنت محتاج أن تنقل نفسك إلى محيط تحس فيه بالطمأنينة، وعلى ضوء ذلك أنا أدعوك أن تنضم لأحد حلقات القرآن، في هذه الحلقات – حلقات التحفيظ – سوف تجد الموجه الممتاز، سوف تجد الأخ والصديق المتميز، سوف تجد الأمان والاطمئنان وفوق ذلك ما أجمل أن يتدارس الإنسان القرآن.
أيضا أنت محتاج أن تمارس رياضة جماعية، مع شباب في عمرك، أي نوع من الرياضة – كرة القدم، السباحة، وخلافه – ومحتاج أيضا ألا تتخلف عن الواجبات الاجتماعية، صل رحم، زر المرضى، لبي الدعوات، احرص دائما على الصلاة مع الجماعة، واجتهد في دراستك، وأحسن تنظيم وقتك. بهذه الكيفية سوف تجد تلقائيا أن مهاراتك قد بدأت في التطور، وأن أفكارك أصبحت أكثر إيجابية، وأن مشاعرك أصبحت أكثر إيجابية أيضا.
هنالك كتاب ممتاز للدكتور دانييل جولمان اسمه (الذكاء الوجداني) أو (الذكاء العاطفي) أرجو أن تقرأ هذا الكتاب، لتتعلم كيف تطور ذاتك من خلاله وعلاقتك بالآخرين.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.