السؤال
السلام عليكم.
هل الأنمي والكرتون -بعيدا عن كونها حرام- هل تصيب الشخص بالسفه وتجعل أفعاله طفولية؟ وهل الكوميديا السامجة تعتبر طفولية ولا يضحك عليها سوى الأطفال؟ مع أنه توجد برامج أطفال الكوميديا فيها تضحك الكل! وهل إذا كان في العمل رسم (كيوت) هل هذا يجعله طفولي؟ وهل الشيء الذي لا يجعل العمل طفولي حقا هو رسالة العمل؟ مثلا عمل يتكلم عن المشاكل الحياتية التي يمر بها الأزواج من تربية أطفال، ومشاكل اقتصادية لكن به رسم (كيوت)، ومشاهد لطيفة تجعل العمل طفولي نوعا ما.
هل المشاهد اللطيفة والكوميديا السامجة تجعل العمل طفوليا؟ وهل القصة الغبية والسخيفة (والكرنجية) للشخصيات والمشاهد الغبية والسخيفة تجعل العمل للأطفال أم تجعله مجرد عمل فاشل؟ وهل عدم الجدية وفي العمل الفني وكثرة المشاهد الملونة تجعل العمل للأطفال؟ مع أن هناك أفلام للكبار فقط فيها كل هذا، وهل يجب أن تكون برامج الكبار كئيبة وتصور الواقع على حقيقته أم لا بأس أن تكون لطيفة وجميلة لا أكثر؟
وهل إذا شاهدت إنمي بعيدا عن كونه حرام هل سوف أصبح معاقا فكريا أو شخصا انطوائيا؟ مع أني أشاهد حلقة واحدة فقط في اليوم، وهل إذا لم يكن في هذا الإنمي أو الكرتون الأمريكي شيء حرام هل مازلت سوف أصبح معاقا فكريا وشخص لا يعرف الكلام مع الناس أو شخص ضعيف الشخصية أو صانع محتوى فاشل أو لن أستطيع التفريق بين الواقع والحقيقة؟ وهل سوف أكره حياتي؟ وهل سوف يكون عندي انفصام الشخصية فقط لأني أشاهد أمور خيالية مثل الروايات وغيرها من الأمور؟ وهل الاقتباس يعتبر سرقة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مهند حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أيها الابن الكريم في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يشغلنا وإياك بالجد وبطاعته، هو ولي ذلك والقادر عليه.
سعدنا جدا بفكرة السؤال، ونحب أن نؤكد أننا ما خلقنا للعب، فالإنسان خلق لغاية عظيمة، {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، ودعنا نتفق بداية إلى أن اللعب للإنسان يحتاج إليه، لكن ينبغي أن يكون بمقدار ما يعطى الطعام من الملح، وهذه بنت محمد بن واسع قالت لوالدها: (أذهب فألعب؟) قال: (أي بنيتي قولي خيرا، فإني ما رأيت الله في القرآن يذكر اللعب إلا على وجه الذم)، ومع ذلك فنحن لن نمنع الناس من الضحك، بل نحتاج إلى أن نضحك، لكن كل ذلك ينبغي أن يكون بمقدار، والإنسان ينبغي أن ينصرف إلى النافع من الأعمال، وعليه أن يبدأ فيؤدي عبادته وطاعته لله تبارك وتعالى، ثم يرتب أمور الحياة بحسب أهميتها، ويعطي نفسه حظها من الطعام وحقها من الراحة، ويعطيها أيضا حقها من الترويح، الذي ينبغي أن يكون مشروعا، فليس في الترويح الشرعي ما فيه معصية أو فيه مخالفة، هذا لا يجلب الراحة، لأنه يتعب الإنسان ويورده موارد الهلكة.
أما هذه الأفلام الموضوعة فمعظمها ينطوي على قيم سالبة لا تعرف من المرة الأولى، إما أن تكون شرقية المنشأ فهي من عباد عبدوا تماثيل الصخور وقدسوا دون ربنا الأحجار والأشجار، عبدوا الكواكب والنجوم جهالة لم يبلغوا من هديها أنوارا، أو تكون هذه الأشياء من بلاد غربية فهي تعطي إيحاءات جنسية وتربي على التحلل والفساد، وإن وجدت فيها فوائد فهي قليلة، بجانب الشرور التي تصطحبها، بجانب الوقت الطويل الذي يضيع فيها.
ونحن نتمنى أن يكون الكبار قدوة للصغار، وأن نجتهد في أن نعمر وقت صغارنا أيضا بما يصلحهم وبما ينفعهم.
أكرر: أنا لا أمنع اللعب، ولا أمنع الضحك، لكن ينبغي أن يكون بمقداره المناسب، والإنسان إذا أدمن على هذه الأشياء يوشك أن يكون معاقا اجتماعيا، وأيضا معاقا فكريا، وأيضا سيكون معزولا عن الناس في الواقع الفعلي، فإن هذه الأمور الافتراضية، هذه الأمور التي يمارسها الإنسان وحده، هذا لعب سلبي، أما اللعب والضحك الذي يكون مع الناس، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط ولا يصبر.
لذلك أتمنى أيضا أن يكون هذا اللعب مقنن بمقدار، حتى لا يصل الإنسان إلى الإدمان، ويصل الحال التي يصعب بعد ذلك الرجوع منها، ولا مانع من أن يقتبس الإنسان الأشياء المفيدة من كل ما يشاهده، فالحكمة ضالة المؤمن، لكن نكرر: هذا الكرتون (الأنمي)، هذه البرامج ما وضعها أصحابها إلا لأجل أرباح مادية، وهم لا يبالوا بقيم ولا ثوابت، المهم أن يربحوا، يعني: المسألة مبنية على مصالحهم وإن تضرر الناس، وإن ضاعت أوقاتهم، وإن أصيبوا بالعاهة الاجتماعية وبالأمراض الجسدية أو بالتخلف والتأخر، كل ذلك لا يهمهم.
ولا شك أن هذه الأفلام أيضا تورث التبلد وضعف التركيز والتشتت الذهني، بل قد توصل إلى الإدمان الالكتروني أو الصرع الإلكتروني أيضا.
فنسأل الله أن يعيننا على التخلص من هذه الأمور، وأن يجعلنا نأخذ النافع المفيد، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا.