ضرورة الصبر على الصديق ومناصحته إن أخطأ دون الإساءة إليه

0 469

السؤال

السلام عليكم.
البداية كانت عندما أتينا إلى فرنسا في عام 2003 للدراسة، عندما كنا في بلادنا الأصلية لم أكن أعرفه حق المعرفة، تعرفت عليه في فرنسا، وكانت نيتي هي أن يكون صديقا لي، أنصحه وينصحني، وهذا ما ظننت أنني أحتاجه في بلاد فيها من الفتن والمغريات ما لا يعد ولا يحصى.

مرت الأيام، وفي صيف 2004 وجدنا عملا في إحدى الشركات، وهذه الشركة يعمل فيها الرجال والنساء، حيث بدأ يتخلى عن المبادئ والقيم الإسلامية، من غض للبصر والتسليم بالوجه على الفتيات ومغازلتهن بالكلام، وترك الصلاة وأشياء أخرى لا ترضي الله، كنت دائما أنصحه، وكان رده في كل مرة يؤذيني بالكلام، ويقول لي إنه كره العرب، وأنه يحب الفرنسيين، وكنت أذكره بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سب العرب فقد سبني).

أنهينا العمل بعد 3 أشهر وعدنا للدراسة، عاد للصلاة من جديد وكنت دائما متسامحا معه، وأتصرف وكأن شيئا لم يحدث، مع أنه لم يطلب مني أن أسامحه ولو مرة واحدة عندما كان يؤذيني بالكلام، وفي صيف 2005 عدنا للعمل في نفس الشركة، وهنا بدأت المشكلة الحقيقية، حيث عاود ترك الصلاة من جديد، وأصبح يغضبني ويعمل أشياء وهو يعلم أنني لا أحب هذه الأشياء.

كنا في الأسبوع نتخاصم مرتين أو أكثر، وفي كل مرة أقدم له البرهان والحجج على أنه ظلمني، وفي كل مرة أقرر أنني لن أكلمه مرة أخرى، وفي كل مرة يأتي ليكلمني ليصلح ما أفسد، فأتراجع عن قراري وأكلمه، وكأن شيئا لم يحدث، ولم يطلب مني السماح ولو مرة واحدة، وفي إحدى المرات وكالمعتاد أغضبني غضبا شديدا، وهو يعلم هذا.

والله العظيم مهما شرحت لكم لن أوفي مقدار الضرر الذي يلحقه بي نفسيا، والله أعلم بهذا، وكنت قادرا أن أؤدبه بالضرب، مع أنه يكبرني سنا، ولم أفعل، وفي لحظات الغضب لم أتمالك نفسي هذه المرة، وسببته وقلت له: يا ابن السافلة، وقد قلتها له باللغة الفرنسية.

وعندما ذهب غضبي عرفت أنني قد اقترفت ذنبا، وقررت أن أطلب منه السماح في نهاية الدوام، وهو الذي لم يطلب مني السماح ولو مرة واحدة، وكان هدفي أن أكفر عن ذنبي وأرضي الله سبحانه وتعالى، لكنني فوجئت برفضه، ومنذ ذلك اليوم لم نتكلم مع بعضنا إلى يومنا هذا.

ما هو رأي فضيلتكم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ammar حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله العظيم أن يصلح الأحوال، وأن يرزقنا الخوف من الكبير المتعال، وأن يصلح لنا دنيانا والمال.

فمن عفا وأصلح فأجره على الله، ولن يندم إنسان على العفو والمسامحة، ولا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، وليس في استمرار الهجر والخصام مصلحة لأحد، ولن ينتفع من انتشار العداوة والبغضاء سوى الشيطان الذي يئس أن يعبده المصلون، لكنه رضي بالتحريش بينهم.

وأرجو أن تستغفر الله وتجتهد في إرضاء هذا الأخ، واعلم أن سباب المسلم فسوق، وأن والدته لا ذنب لها في أخطائه، كما أن أخطاءه لا تبيح لك أن تشتمه، فإن الخطأ لا يعالج بمثله.

ونحن ننصحك بأن تكرر المحاولات حتى يرضى، ثم تجتهد في نصحه والصبر عليه، واسأل الله أن يهديه وأن يرده إلى صوابه، وحاول أن تكون قدوة له بالتزامك وأدبك، ولا تغضبه حتى يشتم العرب أو غيرهم، ولا تستجب لاستفزازه أو تجاريه في سبابه، واستعمل معه الحكمة، واجعل نصحك له بعيدا عن الأعين والآذان.

ولك شكرنا وتقدرينا على اختيارك لموقعك، ولحرصك على بذل الهداية ومواصلة النصح، ونسأل الله أن يكثر الناصحين وأن يؤيد الدعاة المتقين، واعلم أن ما تلاقيه من معالم طريق الدعوة؛ لأن الله يقول في وصية لقمان لابنه: ((يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور))[لقمان:17].

فإن الدعوة إلى الخير تصادم رغبات العصاة، ومن هنا كان لابد من حكمة وصبر، وقد صبر الأنبياء على الأذى، وقد قيل لنبي الله هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ((إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين))[الأعراف:66]، فلم يشتمهم ولم يلعنهم، ولا زاد على قوله: ((يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين))[الأعراف:67] وكذلك فعل نبي الله نوح حين قالوا له: ((إنا لنراك في ضلال مبين))[الأعراف:60]، فقال لهم: ((ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين))[الأعراف:61] فلم يردوا الشتم بمثله، لأنهم لم يبعثوا لشتم الناس، وإنما أرسلوا للرفق بهم ودعوتهم إلى التوحيد وتربيهم على خصال الخير.

فنحن حملة هداية نمنح الناس الخير والهدى، ونكون مع العصاة كالنخلة التي يرميها الناس بالحجارة فتعطيهم أطيب الثمار.

وأرجو أن تعلم أن وجودك إلى جوار صديقك يفيده جدا، وأن بعدك عنه يدفعه إلى أحضان العصاة والغافلين والساقطات والفاسدات، لذا فالصواب أن تجتهد في إرضائه حتى تتمكن من مواصلة النصح له وتذكيره بالله، مع ضرورة أن تدعو له بإخلاص، وأرجو أن تذكره بأيام الصفاء، وتبين له أن ما بينكما أكبر من مجرد كلمة.

ونسأل الله أن يجمع بينكما في طاعته، وأن يؤلف بين القلوب، وأن يغفر الذنوب، ويستر العيوب.

والله ولي التوفيق والسداد!

مواد ذات صلة

الاستشارات