أشعر بأني غير مقبولة ولا محبوبة ممن حولي.. ساعدوني

0 38

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أم لثلاثة أطفال، والحمد لله رب العالمين، لكن شخصيتي مختلفة عمن حولي، أنا أكره نفسي، وأكره طبعي، وكل من حولي يرفضني ويبتعد عني بدون أي خلاف أو سبب.

أنا فقط غير مقبولة وغير محبوبة، إذا جلس معي شخص لمدة خمس ساعات لا أعرف أن أحكي معه حديثا واحدا حتى وكأن فمي مغلق بلاصق حرفيا وبدون مبالغة، حاولت كثيرا وعجزت، لماذا أخواتي يعرفون أن يتكلموا ويضحكوا، والأمر لديهم فطري وسهل.

أنا فعلا مختلفة، صرت أكره كل من هو أفضل مني، أصلا الناس اعتادوا علي هكذا، ودائما يعاملونني بشفقة كطفل صغير يجاملونه مجاملة واضحة جدا، فأشعر بالإهانة الشديدة، وأكره نفسي جدا، وأكرههم جميعا، والله إني تعبت ماذا أفعل، أشعر نفسي مهانة وذليلة وطفلة صغيرة يضحكون عليها دون أي احترام، حتى أولادي يعاملونني بشفقة كأنني أصغر منهم، فيهينونني ويكذبونني دون أن يشعروا، ويفضحون تصرفاتي وعيوبي التي هي موجودة أصلا عند أي شخص، ولكنني أنا فقط أبدو بها بهذا الأسلوب.

والله احترت في أمري، وتعبت، يعني، لماذا أنا مرفوضة عند الجميع سواء من يعرفني أم لا، بدون أن أؤذي أحدا وكأنني أصدر إشعاعات منفرة، وإلى الآن ليس لدي أي صديقة على الإطلاق، ولا أحد يحدثني بالهاتف، فما هو السر ماذا أفعل؟ بالمناسبة ليس لدي أي مرض نفسي ولله الحمد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبد الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم لتواصلكم معنا.
أختي الكريمة- طالما أنك معلمة، فهذا يدل على أن لديك أنشطة اجتماعية مع الآخرين، ولكن ربما قد لا يكون تفاعلك كافيا معهم، وربما تصابين بالخجل والانطواء من المشاركة في الأنشطة العامة، أو تخجلين من التعبير عن مشاعرك أمام الآخرين ولو كانوا أبناءك.

صحيح أنك (لست مريضة نفسيا) كما وصفت نفسك، ولكن هناك اضطرابات تتعلق بالشخصية وهي دون المرض النفسي، وبعض الإحصاءات العالمية تقدر نسبة بين 30-60% من اضطرابات الشخصية تكون مترافقة مع أمراض نفسية، ولسنا هنا في وارد تخويفك، أو إصابتك بالذعر، فيبدو فعلا أنك لست مريضة نفسيا، لا سيما إذا كنت قد عرضت نفسك على أخصائي نفسي للتقييم، لكن هذا لا يمنع من البحث عن تشخيص لحالتك النفسية، لأن التشخيص السليم هو الذي سيحدد الخطة العلاجية السليمة، ونحن دوما لا نسعى للتشخيص في موقع إسلام ويب، لأسباب موضوعية تتعلق بطريقة التشخيص وأدواته الإكلينيكية، ولكننا نسعى إلى إرشاد السائل أو السائلة إلى كيفية البحث عن التشخيص السليم، ومن ثم العلاج السليم في الإطار المتاح له، أو على الأقل يفهم ما الذي يعاني منه، ويتصور ما هي المشكلة ليسعى لعلاجها.

هناك ما يسمى باضطرابات الشخصية، وهي عديدة ومتنوعة، ويمكنك مطابقة وضعك مع وصف الشخصية التجنبية هل تنطبق عليك أم لا، واضطراب الشخصية التجنبية حسب الدليل الإحصائي DSM-5 لجمعية علم النفس الأمريكية APA
Avoidant Personality Disorder (F60.6)
يتميز بنمط ثابت من التثبيط الاجتماعي مع مشاعر بعدم الكفاية وفرط الحساسية للتقييم السلبـي، والذي يبتدئ منذ البلوغ الباكر ويتبدى في العديد من السياقات، كما يستدل عليه بأربعة (أو أكثر) من التظاهرات التالية:
(1) يتجنب النشاطات المهنية التي تتطلب احتكاكا كبيرا مع الآخرين، بسبب الخوف من الانتقاد أو عدم الاستحسان أو الرفض.
(2) يرفض الانخراط مع الناس ما لم يكن متيقنا أنه سيكون محبوبا.
(3) يبدي تقيدا في العلاقات الحميمة بسبب الخوف من أن يكون موضع سخرية وخزي.
(4) منشغل بكونه موضع انتقاد أو رفض في المواقف الاجتماعية.
(5) متثبط في المواقف الجديدة مع الناس بسبب الخوف من عدم الكفاءة.
(6) ينظر إلى نفسه على أنه غير كفؤ اجتماعيا، غير جذاب شخصيا، أو أقل شأنا من الآخرين.
(7) يتردد بصورة غير عادية في تعريض نفسه للمجازفات أو الانخراط في أنشطة جديدة لأنها قد تظهر الارتباك والخجل.

لقد حرصت على سرد العلامات التشخيصية كما وردت بالدليل الإحصائي لأجل تحفيزك لزيارة الاستشاري النفسي، لوضع خطة علاجية ومساعدتك على الخروج من الدائرة المغلقة التي فرضتها على نفسك، وبمجرد زيارتك للاستشاري أو الأخصائي النفسي سيؤكد هذا الوصف أو ينفيه ويضع الوصف الصحيح والمناسب لحالتك.

وتذكري أنك لست مريضة نفسيا، وإنما مجرد اضطراب شخصية يمكن تداركه وتعديله، ولكن الإشكال يظل في حالة ما إذا لم تقومي بعلاجه، فسيظل يسبب لك تداعيات ومشاكل اجتماعية كما يحصل معك حاليا.

علما بأن هناك فرقا مهما بين المرض النفسي وبين اضطراب الشخصية، فالمرض النفسي طارئ على الشخص، بينما اضطراب الشخصية يترافق معه منذ سنوات الطفولة-غالبا-

وهاك بعض النصائح التي قد تفيدك في حالتك النفسية:
1- ينبغي أن تعتقدي بأنك إنسانة سوية، ولديك المهارات الكافية للتخاطب والتعامل مع الآخرين، والدليل على ذلك أنك معلمة، وهذا بحد ذاته يثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن مشكلتك هي مجرد أفكار سلبية تسيطر عليك، وبإمكانك التعامل معها.

2- أفضل وسيلة لمواجهة (التجنب) هي (التعرض)، وذلك بأن تعرضي نفسك للكلام مع الآخرين، والتخاطب معهم، وابدئي بالحديث مع المقربين منك كأولادك وزوجك وأخواتك، جهزي موضوعا معينا تحبينه، ولك اهتمام به، ويناسب الطرف الآخر ثم ابدئي بالحديث عنه، وليكن موضوع طبخة معينة، أو موضوع يتعلق بالأسرة.

3- قبل أن تبدئي بالكلام في هذا الموضوع أو ذاك، يمكنك أن تتدربي عليه مع نفسك، وذلك بالوقوف أمام المرآة والكلام مع نفسك، أو تسجيل صوتك في الجوال، والاستماع إلى نفسك.

4- لا تهتمي بتعليقات الآخرين على صمتك، فهذا سلوك غير صحي منهم، واهتمي بتطوير نفسك، وتطوير مهارات التحدث والإلقاء، وسوف تكتشفين مع الوقت أنك تتقدمين بشكل جيد.

5- لا تركزي على كلماتك، ولا تكترثي بردود أفعال من حولك، لا سيما إذا كانوا من الأقارب، فهؤلاء في الواقع لا يشكلون أي تهديد لك.

6- احرصي على البحث عن صديقة تتفهم وضعك، وتأخذ بيدك إلى طريق الشفاء، واعرضي عليها موضوعك، وأنك تعانين من مشكلة تحتاجين للخروج منها، ولا تقلقي من ردة فعلها-خاصة إذا كانت عاقلة ورحيمة-.

7- مجددا: عبارتك (أنا غير مقبولة، وغير محبوبة) مجرد أفكار سلبية، انصراف الناس عنك، ليس لأنك غير مقبولة ولا محبوبة، ولكن لأن مهارات الاجتماعية في التواصل معهم منخفضة، لذلك من الطبيعي أن ينصرفوا عن الشخص الذي لا يتكلم أو يتواصل معهم، فالموضع لا علاقة له بكره أو حب، وإنما مجرد تواصل وقناة اتصال.

8- اقتربي من الرحمن الرحيم، وسلي الله عز وجل أن يطلق لك لسانك، واحرصي على دعاء نبي الله موسى عليه السلام: (قال رب ٱشۡرحۡ لی صدۡری . ویسرۡ لیۤ أمۡری . وٱحۡللۡ عقۡدةࣰ من لسانی . یفۡقهوا۟ قوۡلی) طه [25-28].

9- اقترابك من حلقات التعليم، سواء لطلابك أنت، أم كنت مشتركة بحلقة لتعليم القرآن الكريم، سيساعدك كثيرا على التفاعل والكلام مع المشتركات في الحلقة القرآنية، وستجدين مواضيع ومناسبات عديدة للكلام، إضافة لكسب صديقات جدد في هذا المجال.

10- قراءة القرآن بصوت مرتفع قليلا حتى لو كنت منفردة قد يساعدك في تنمية مهارة الكلام تدريجيا.

نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية، والتيسير لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات