السؤال
السلام عليكم..
لقد تعبت كثيرا من الأفكار المخيفة التي تنتابني، والتي زادت بكثرة في هذه الفترة، حيث لا أستطيع مقاومتها، وأدخل في رعب وخوف وفزع.
منذ سنوات بدأ عندي هاجس الخوف من الموت، وكنت صغيرة وقتها، كانت تنتابني بين فترة وأخرى، وفي فترة الجامعة أيضا، كانت تأتيني على هيئة خوف من ركوب المواصلات، أو خوف من الأمراض والحوادث.
تخرجت منذ عامين، وعملت بأحد المراكز الطبية، وبعدها جاءت الكورونا، وجلست بالمنزل، ومنذ ذلك الوقت وأنا تراودني جميع المخاوف وهواجس الموت، والخوف من الكورونا، كما وأصابني شعور غريب بأن من أراهم من الأشخاص ليسوا حقيقيين، على الرغم من أني أتفاعل معهم وأتحدث، ولم أستطع الخروج من تلك الحالة.
كما أنه أصابني خوف من النزول بمفردي من البيت بسبب أنني منذ سنة أصبت بالإغماء وأنا في الشارع، لماذا ينتابني ذلك الشعور الغريب تجاه رؤية الأشياء؟ أشعر بأن تفكيري منغلق على هذه الفكرة فقط، أريد التخلص من هذه المخاوف التي سيطرت على حياتي وأن أعود لطبيعتي.
منذ فترة بدأت ألاحظ تغيرات في حالتي النفسية بعد الدورة الشهرية، وبمجرد بدء أيام التبويض تزداد عندي المخاوف، ومن ثم القلق والتوتر والأفكار السلبية والأفكار المخيفة، فهل هذه الفترة فعلا تؤثر على الحالة النفسية؟ وهل بمجرد انتهاء الدورة تتحسن الحالة؟ فقد تعبت جدا!
أرجو منكم إفادتي في هذا الموضوع، ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Halaq حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية.
نحن نتلقى استشارات كثيرة جدا حول موضوع الخوف من الموت، المخاوف العامة والخوف من الموت على وجه الخصوص.
ونحن نقول أن الخوف من الموت ليس دليلا على ضعف إيمان الناس، وهو ابتلاء من الابتلاءات، {ولنبلونكم بشيء من الخوف}، {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، وفي نفس الوقت الخوف من الموت حالة نفسية مكتسبة، وذلك نسبة لكثرة موت الفجاءة، وكثرة الأمراض، وكثرة المعلومات الطبية المتداولة، وكثيرا منها ما تكون معلومات مغلوطة، لكن الإنسان إذا تفهم الموت على حقيقته الشرعية لن يخاف أبدا من الموت خوفا مرضيا، إنما سيخاف من الموت خوفا شرعيا.
وأقصد بالخوف الشرعي من الموت هو أن تكون للإنسان القناعة الجازمة والصلبة، القناعة التي لا تردد فيها أبدا، قناعة يقينية بأن الموت آت، وأنه لا مفر منه، ولا مهرب منه، {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم}، والقناعة بأن الأعمار بيد الله، {كل نفس ذائقة الموت}، {إنك ميت وإنهم ميتون}، وأن الأجل إذا جاء لا يؤخر ولا يستقدم ثانية، {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر}، {لكل أجل كتاب}، {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
فإذا هذه الأمور يجب أن تعلم، ويجب أن تعرف - أيتها الفاضلة الكريمة - وهذا وإن لم يكن اختصاصيا كطبيب نفسي، ولكنها مفاهيم عامة على المسلم معرفتها وإدراكها، وأنا أعلم أنك تفكري في هذه الأمور على نفس السياق الذي ذكرته، لكن أريد أن أدعم فكرة الخوف الشرعي من الموت لديك، وهو أمر مطلوب من باب التواصي بالحق، وهي أمور ينبغي ألا تسبب أي مضايقات نفسية، لأنها واقعة على الجميع وأمور حتمية، وينبغي التسليم لها.
إذا فكرة الخوف المرضي من الموت مرفوضة، لأنها تسبب الكثير من المخاوف والقلق والتوترات، وهذا التفكير على هذا النسق يقرب الإنسان من الله تعالى، هذا لا شك فيه، والإنسان حين يكون قريبا من الله تعالى لا شك أن ثقته سوف تزداد، ثقته في كل شيء، ويستطيع تماما أن يواجه المخاوف.
فأرجو - أيتها الفاضلة الكريمة – أن يكون هذا هو منهجك، وطبعا الإنسان يحرص على الدعاء، أن تسألي الله تعالى أن يحفظك، أن يطيل عمرك في عمل الصالحات، وأن تعيشي حياة طيبة وسليمة، تهتمي بتغذيتك، تمارسي الرياضة، تهتمي بروابطك الاجتماعية، تهتمي بأمور دينك، تكوني حريصة جدا على أن تكوني شخصا إيجابيا في أسرتك ... هذه كلها علاجات وعلاجات مهمة جدا.
أما أن يجلس الإنسان للوساوس وللهواجس ويتفرغ لها قطعا ستأتيه المخاوف، وقطعا هذا شيء مدمر تماما للصحة النفسية وللصحة الجسدية، فأرجو أن تغيري طريقة تفكيرك، وتفكري التفكير الإيجابي على نسق ما ذكرنا بعض الشيء.
الأمر الآخر هو: أن تمارسي الرياضة، الرياضة وممارسة تمارين الاسترخاء، خاصة ما يعرف بتمارين التنفس التدرجي، من أفضل الوسائل التي تزيل القلق والتوتر والخوف، توجد برامج كثيرة جدا على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة الاسترخاء، فأرجو أن تستفيدي من هذه البرامج، أو إذا وجدت أخصائية نفسية لتدربك عليها؛ هذا أيضا سيكون جيدا ومفيدا بالنسبة لك.
أرجو أن تعيشي قوة الآن، الحاضر دائما أقوى من الماضي، وأقوى من المستقبل، المستقبل بيد الله، والإنسان يعيش حاضره بقوة، ويعيش مستقبله بأمل ورجاء، بل يتوكل على الله، ويستعن بالله ولا يعجز، ويحرص على ما ينفعه.
اعملي لنفسك مشروع حياة – أيتها الفاضلة الكريمة – وليكن لك هدف، أي هدف، وانفعي نفسك وانفعي غيرك. احفظي أجزاء من القرآن، هذا هدف عظيم جدا. اكتبي قصة، هذا هدف وأمر جديد، لعل في القصة نفع لك ولغيرك، كلما كثرت أهدافنا وأنجزناها كلما شعرنا أن لدينا قيمة حقيقية.
كل الأعراض التي أتتك – أيتها الفاضلة الكريمة – كما تفضلت مرتبطة بموضوع الكورونا، والذي حدث لك هو نوع من القلق، وأتاك شيء مما نسميه بـ (اضطراب الأنية)، وقد ظهر ذلك في شكل إحساس بأنك لا تشعرين بالأشخاص المحيطين بك، وهذا كله يندرج تحت القلق.
بقي أن أنصحك بتناول دواء بسيط سليم وغير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، وهو من أفضل مضادات قلق المخاوف، وأنت تحتاجين له بجرعة صغيرة، الدواء يعرف باسم (اسيتالوبرام) واسمه التجاري (سيبرالكس) وربما تجدينه تحت مسميات تجارية أخرى.
تبدئين في تناول الاسيتالوبرام بجرعة صغيرة، وهي نصف حبة – أي خمسة مليجرام – يوميا لمدة عشرة أيام، ثم اجعليها حبة واحدة يوميا – أي عشرة مليجرام – لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلي الجرعة خمسة مليجرام يوميا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناول الدواء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.