السؤال
السلام عليكم.
أنا طالب في كلية الطب البشري، عمري 22 سنة، سأقول أني مصاب بالوسواس في الأمور الغريبة وغير المنطقية، لكن في حقيقة الأمر أنا لا أشعر بذلك منذ 3 سنوات، حيث أصبت بوساوس عديدة وبشكل متدرج:
بداية بوسواس الأمراض، ثم وسواس الموت، ثم وسواس العقيدة، ثم اختلال الأنية، وربما وساوس أخرى، لكني لم أصب بوساوس في الطهارة أو الوضوء أو الصلاة ونحوها، ولحد الآن والحمد لله.
المثير في الأمر أنه قبل 3 سنوات لازمتني الوساوس مدة من الزمن، واختفت في ظرف 3 أو 4 أشهر حسبما أتذكر.
والآن وقبل شهر بالتحديد عادت إلي الوساوس، وتقريبا بنفس التدرج السابق في الترتيب، ولكن الاختلاف في هذه المرة أنني أصبحت أفكر بشكل مختلف تماما عن السابق، ولم أعد أشعر أنها وساوس، ويمكنك القول أني أصبحت أصدق الوسواس وأكذب الواقع في حقيقة الأمر، فهذا ما أشعر به وما أصبح عليه تفكيري في كل دقيقة تمر من يومي، حتى عندما أكون مشغولا بشيء ما، أو أحدث شخصا معينا.
بالمختصر أشعر أني شخص مختلف عن الناس بالمعنى الحرفي، مثلا أقول في نفسي ما ينطبق على الناس لا يمكن أن ينطبق علي، خصوصا عندما أريد اللجوء للعلاج عندي شعور بالرفض والنفور من الأمور العادية والطبيعية التي تجري في الحياة، والاستغراب الشديد من الواقع، والحياة وما يجري فيها.
توجد عدة مفاهيم أصبحت لا أصدقها: كالحياة في حد ذاتها، ووجود الناس، والأشخاص من حولي، والماضي والحاضر والمستقبل والزمان والمكان، والأمور الفيزيائية والبيولوجية، والذكريات والأشياء الملموسة، والفهم والاستيعاب والشعور والإحساس.
أرجو المساعدة، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نذير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
أخي: كل الذي تحدثت عنه هو نوع من الوساوس القهرية، ويعرف أن الوساوس قد تأتي في نوبات أو موجات، وتختفي، ويتبدل مفهومها، فهي تتحول من أفكار إلى أفعال، إلى طقوس، إلى شكوك، إلى مخاوف، ... وهكذا.
والشيء المهم الذي حقيقة دائما نوصي الناس به هو أن الوساوس يجب أن تعالج، ويجب ألا يتعايش معها الإنسان، لأن التعايش معها قد يعطي الإنسان الشعور بقبول الوسواس أو بتصديق الوسواس، وأتمنى ألا تكون قد وصلت لهذه المرحلة.
أيضا من المهم جدا – أخي الكريم وأنت طالب في كلية الطب – أن تذهب وتقابل أحد الأساتذة المختصين في الطب النفسي، الأمر في غاية البساطة، هذه الحالة سوف تعالج تماما، وخطوات العلاج بسيطة جدا: هنالك العلاج السلوكي الذي يقوم على مبدأ رفض وتحقير الوسواس وتجاهله، وذلك من خلال تمارين (إيقاف الأفكار) وتمارين (صرف الانتباه) وتمارين (التنفير).
هذه الأمور – أخي الكريم – أسس علمية معروفة، تحلل الوساوس أولا وتكتب الأفكار الوسواسية بوضوح شديد، ويبدأ الإنسان بالفكرة الضعيفة، وينتهي بالفكرة القوية، ثم تطبق تمارين إيقاف الأفكار وتمارين صرف الانتباه وتمارين التنفير، وطبعا التطبيق إذا كان تحت يد مختص هذا أفضل، وتكون النتائج رائعة جدا.
أيضا – أخي الكريم – الإنسان لابد ألا يعطي هذه الوساوس فرصة، وذلك من خلال حسن إدارة الوقت، الوسواس يتصيد الناس من خلال الفراغ الزمني أو الفراغ الذهني، فهذا يجب حقيقة أن يتعامل الإنسان بكل جدية.
هنالك مكون رئيسي للوسواس وهو القلق والتوتر النفسي، لذا الرياضة، ممارسة تمارين الاسترخاء، الاستغراق الذهني، التأمل، التدبر، ... كلها من الوسائل العلاجية الجيدة جدا التي تساعد في علاج الوسواس.
بعد ذلك يأتي العلاج الدوائي طبعا، لابد لمريض الوسواس أن يتناول الدواء، لأن الدواء يساهم بحوالي أربعين بالمائة (40%) من الرزمة العلاجية، حيث إن اضطراب الموصلات العصبية الدماغية – خاصة مادة السيروتونين – أمر قد تم إثباته تماما بالنسبة للوساوس القهرية، وأنه أحد المسببات.
أعتقد أن الصورة واضحة جدا، وعليه أرجو أن تنخرط في برامج علاجية، وإن شاء الله تعالى سوف تتحسن تماما، وسوف يزول هذا الوسواس تماما.
كل ما ذكرته من أفكار أنا أؤكد لك أنه وسواس، حتى عدم تصديقك للأشياء – كالحياة وما تحس به من تغيرات حول الماضي، والحاضر، والمستقبل، والأمور الفسيولوجية – هذا طبعا نوعا من اضطراب الأنية أو الشعور بالتغرب، وهو جزء من القلق الذي كثيرا ما يكون مصاحبا للوساوس.
أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.