السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة أنهيت متطلبات الهندسة حديثا، ومن وقتها وأنا في حالة ضيق شديد امتدت لستة أشهر متواصلة، والخوف والضعف غير معهود لدي.
حياتي جدا مثالية، ولكن أشعر بشيء من الخوف والضياع، وعدم القدرة على التحمل والصبر، ولا أجد من أخبره بحالي، وأن تحدثت لعائلتي لا تفهمون حالي، وتقابل بعبارات مثل لا يوجد أي سبب يدفعك لهذا، وفي الحقيقة لست أدري إن كان هناك صلة منذ أنهيت المتطلبات، وأمي تشدد على شكلي، وطريقة لبسي، وكانت صارمة ومؤذية في بعض الأحيان، واحتد النقاش في كلمة، كما أني واجهت انتقدها عندما رفضت أنا شخصا متقدما لخطبتي، لأني لا أراه مناسبا لي، وهنا بدأ الانتقاد، تقول: من تظنين نفسك؟ وبماذا تردين؟ ولن يتقدم لك أحد، وتبدأ من هنا الأحكام التي تتسب لي بضغط.
علما أني بطبيعتي شخص متوتر، تغيرت أفعالي وعصبيتي، وفهم خاطئ للموقف، وتدمر علاقاتي مع من حولي دون أي محاولة إصلاح لأي خلاف.
أعلم أن خير الله عظيم جدا علي، ولكن ليس هذا طبعي، فأنا بالعادة أكثر سعة في صدر وأكبر وعيا وتصالحا مع نفسي، لكن الآن وصلت لمرحلة أسأل الله فيها الموت للتخلص من هذا الحمل.
والله أعلم أني مذنبة، ولكن أشعر بضعف وعجز لا يبصره سواه، ضعف يمنعني حتى من الدعاء بعد أن كان أحب طاعة إلي قلبي، ولا أستطيع أن أتحدث مع الله كما في السابق، وهذا زاد الطين بلة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا
نبارك لك تخرجك من كلية الهندسة، ونسأل الله أن ينفعك وأن ينفع بك.
ما أصابك من ضيق متواصل خلال ستة أشهر إن كان عقب مشكلتك مع الوالدة؛ فغالبا سيكون لهذه المشكلة انعكاسها وظلالها على نفسيتك.
أما ما يتعلق باختيار الزوج فهذا حق شرعي لك، لا يصح أن ينازعك فيه أحد، طالما كنت راشدة عاقلة، وينحصر دور الوالدين هنا في الناحية الاستشارية لا الإجبارية، وقد جاء في صحيح مسلم: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر (أي يؤخذ أمرها) ولا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا: يا رسول الله.. وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت".
هذا التفريق بين البكر والثيب إنما هو تفريق وسيلي لا غائي، بمعنى أن وجوب الإذن متعين في البكر والثيب، ولكن اختلفت طريقة أخذ الإذن.
أما بخصوص تعامل والدتك معك وانتقادها الدائم، ومحاولة فرض قناعتها عليك فلا شك أن هذا أحد الأخطاء التي يرتكبها الوالدان مع أبنائهم وبناتهم، ويبقى بعد ذلك التعامل مع مثل هذه الأخطاء بطريقي ن:
الأول: بمراعاة حق الوالدين، والتلطف معهما في الحوار والإقناع..
وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين وإن كانا كافرين، قال الله تعالى: ﴿ووصيۡنا ٱلۡإنسـٰن بو الديۡه حسۡناۖ وإن جـٰهداك لتشۡرك بي ما ليۡس لك بهۦ علۡمࣱ فلا تطعۡهماۤ إلي مرۡجعكمۡ فأنبئكم بما كنتمۡ تعۡملون﴾ [العنكبوت 8].
الثاني: بطريق الحق الشرعي، بمعنى أنه لا يلزمك أن توافقي على اختيار الوالدة إن كان هذا لا يناسبك، فأنت من ستتزوجين لا هي، وأنت من ستتحمل تبعات هذا الزواج مستقبلا، لذلك لا تلومي نفسك على هذا الرفض، ولا يدخل في باب العصيان للوالدة، لا سيما إن كان معه التلطف والرد بالتي هي أحسن.
أما موضوع وصولك إلى مرحلة اليأس وتمني الموت، فهذا تعبير عن شدة الإحباط، والقلق النفسي، وعليك أن تعلمي بأن الله تعالى يبتلي عبده أو أمته ليرفعهم في الدرجات ويكفر عنهم السيئات، فتارة يبتليهم في النواحي المادية والاقتصادية، وتارة في الصحة، وتارة في علاقاتهم الاجتماعية ومنها موضوع الزواج.
﴿ولنبۡلونكم بشيۡءࣲ من ٱلۡخوۡف وٱلۡجوع ونقۡصࣲ من ٱلۡأمۡوٰل وٱلۡأنفس وٱلثمرٰتۗ وبشر ٱلصـٰبرين﴾ [البقرة 155].
من الناحية النفسية أنت بحاجة إلى تعلم مهارات إدارة انفعالاتك لتتمكني من التعامل مع الضغوط مستقبلا، سواء من داخل البيت أم من خارجه، وهناك وسائل متعددة لإدارة الانفعالات ولعل الوصية النبوية: (لا تغضب) هي أهم وسيلة في هذا الباب، فقد جاء الإرشاد إلى استعمال (الحركة) لكسر دائرة الانفعال والغضب، كالخروج من المكان أو الوضوء والاغتسال، أو أي تحرك يمكن أن يكسر حدة الغضب، أو أن يؤجل اتخاذ أي قرارات خاطئة ساعة الغضب.
أما ما يتعلق بشعورك بالذنب إن كان لأجل رفضك الشخص الذي تقدم لزواجك، فلا معنى للشعور بالذنب هنا طالما أنك تعتقدين أن هذا كان قرارا سليما.
أما إن كان شعورك بالذنب بسبب طريقة ردك وتعاملك مع من حولك، بطريقة فيها تسرع وغضب بحيث يشعرون بجرح مشاعرهم، فهنا يمكنك التفريق بين اللوم المؤقت واللوم الدائم، فالأول مطلوب والثاني غير مطلوب، فيمكن للشخص أن يلوم نفسه (بمعنى يحمل نفسه المسؤولية عن الخطأ) لكنه لا يظل يلوم نفسه باستمرار، لأن هذا سيدخله إلى دائرة الإحباط والفشل.
أخيرا: عودي مرة أخرى لاستخدام وسيلة الدعاء فهي من أهم الوسائل وأمضاها، فهي وسيلة علاجية نفسية ووسيلة لقضاء الحوائج الشخصية في ذات الوقت، ولا داعي لليأس من الدعاء وقد جاء في الصحيح: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي".
كما لا ننسى أن نذكرك بأهمية زيارة الاختصاصي النفسي للمتابعة.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.