السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أريد أن أحييكم على المساعدات التي تقدمونها للناس.
أنا طالب في السنة الخامسة طب، وبقي لي عامان على التخرج.
مشكلتي أني مصاب بمرض ثنائي القطب منذ 2015 ، تناولت العديد من الأدوية، لكن لا أحس بالتحسن.
كما أن مرضي متعلق بنسبة كبيرة بالدراسة، لم أنجح ولا في عام بدون استدراك، أدرس لكن دون نتيجة، كلما كانوا يعلنون عن النتائج أرسب فأحاول الانتحار.
ربطت الأمر بأني لا أحب الطب، والدليل أني كلما ذهبت للكلية أو المستشفى أحس بالاكتئاب فأغادر ولا أكمل الدرس، أريد ترك الطب؛ لأني أكرهه كرها شديدا، لكني خائف من أهلي إذ قالوا لي أن الناس ستسعد ويفرحون بفشلي، حتى طبيبي قال لي لا تترك الطب.
حلمي هو أن أصبح لاعب كرة قدم، أفكر فيها منذ 4 سنوات، لكن لم أمارسها منذ 5 سنوات، أعشقها عشقا شديدا، لكني خائف من الفشل فيها إذا تركت الطب.
حاولت الانتحار 20 مرة لحد الآن، أفكر في الموت، قدمو لي يد العون وأجركم على الله؛ فالمرض أكلني والطب دمرني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أشرف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في موقع استشارات الشبكة الإسلامية.
أيها الفاضل الكريم: الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية يعالج ويعالج بصورة ممتازة جدا.
طبعا أحزنني كثيرا محاولاتك للانتحار، لأن هذا أمر حقيقة يجب أن يؤخذ بجدية ويؤخذ بغلظة، هذا ليس بالأمر السهل أبدا، لا من الناحية الصحية النفسية ولا من الناحية الدينية ولا من الناحية الاجتماعية، وهذا لعب بالنار أيها الفاضل الكريم، لابد أن يكون لديك العزيمة والإصرار والكياسة ألا تقوم بمثل هذه المحاولات أبدا.
والأمر الثاني: يجب أن تراجع علاجك مع طبيبك، توجد آليات ممتازة جدا للعلاج الآن، مثلا (كربونات الليثيوم) بالنسبة للاضطراب الوجداني ثنائي القطبية تعتبر أحد العلاجات المثالية، وهو يمنع تماما الاندفاع نحو الانتحار، فالليثيوم قد يكون هو الدواء المناسب في حالتك، وهو دواء لا يخل بالتركيز، ولا يخل بالرغبة.
فيا أيها الفاضل الكريم: فرص علاجك متوفرة تماما، وأنت الآن في السنة الخامسة طب، أنت تقريبا قطعت ثمانين بالمائة من المشوار، فما الذي يجعلك تفكر في الرجوع؟ .. أبدا لا تفكر في ذلك، الرغبة موجودة والفرصة موجودة، والقدرة عندك موجودة، كل الذي تحتاجه هو أن تتناول العلاج الصحيح، وأن تدير وقتك بصورة صحيحة، وهذا أهم شيء.
وأهم نقطة ارتكازية في إدارة الوقت بالنسبة لك هي النوم الليلي المبكر، لأن النوم الليلي المبكر يؤدي إلى استقرار كامل في خلايا الدماغ، ويؤدي إلى ترميم كامل في خلايا الدماغ وفي خلايا الجسد، وهذا يتيح لك الفرصة أن تستيقظ مبكرا، وتؤدي صلاة الفجر في وقتها وأنت نشط، وبعد ذلك يمكن أن تدرس لمدة ساعة مثلا، بعد الاستحمام وشرب الشاي وتقوم بتمارين رياضية إحمائية لمدة خمس دقائق، ثم ادرس لمدة ساعة واحدة قبل أن تذهب إلى الكلية. هذه الساعة التي سوف تدرسها تعادل ساعتين إلى ثلاث دراسة في بقية اليوم، هذا أمر مجرب، وأمر مؤكد.
فأنت ابدأ هذه البداية الصحيحة، نم مبكرا، واستيقظ مبكرا، وقم بإنجازات عظيمة في الصباح، البكور فيه بركة كثيرة. وأريدك أيضا أن تمارس الرياضة، أي نوع من الرياضة – رياضة المشي، رياضة الجري، السباحة، كرة القدم – كل هذا مهم جدا بالنسبة لك. التواصل الاجتماعي الإيجابي مع أصدقائك، الترفيه عن نفسك بما هو طيب وجميل. برك لوالديك سوف يجعلك إنسانا ناجحا متفائلا.
أنا حقيقة آخذ بيدك وأشجعك، وأرى أنك يمكن أن تكمل الطب، وتكون طبيبا ناجحا.
أما موضوع كرة القدم وخلافه: كرة القدم ليست مهنة حقيقة يكتسبها الإنسان، نعم هي الآن أصبحت مهنة لبعض اللاعبين المحترفين، لكن في حالتك يجب أن تعتبر نفسك هاويا، وتمارس الكرة وأنت طالب، وحتى بعد أن تكون طبيبا، ليس هنالك ما يمنعك أبدا من أن توفي دراسة الطب وتستمتع بحياتك كما تريد.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
_________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم-استشاري أول طب نفسي وطب الإدمان-
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي-مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-
__________________________________________
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب. نسأل الله تعالى أن يذهب عنك كل هم وغم، وأن يصرف عنك كل مكروه.
قد أفادك الأخ الفاضل الدكتور/ محمد بنصائح قيمة وتوجيهات مهمة فيها النفع الكثير لك بإذن الله تعالى، ونزيدك -أيها الحبيب- وصيتين نأمل أن تأخذ بها وأن تأخذها مأخذ الجد.
أولا: عليك أن تدرك تمام الإدراك – أيها الولد الحبيب – أن الانتحار ليس إنهاء للآلام والمعاناة التي تعيشها، وإنما هو بداية جديدة لمعاناة أكبر وعذاب أشد، مع حياة دائمة مستقرة لا تنقطع، فإن الدنيا تنتهي بالموت، ولكن الحياة الحقيقية تبدأ بعد الموت، فالسعيد من كان سعيدا في تلك الحياة، والشقي من كان شقيا فيها.
والانتحار – أيها الحبيب – يجر المنتحر إلى عذاب دائم، وحياة بئيسة لا تنقطع، فقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، قال: (كان برجل جراح، فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة).
وأي حياة – أيها الحبيب – هذه التي ينتقل إليها الإنسان ويحرم فيها من الجنة، بل ويتعذب بنفس الآلة والأداة التي عذب بها نفسه في الدنيا ليموت، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما - يعني: شرب سما - فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) [رواه البخاري].
فإذا الانتحار – أيها الحبيب – إنما هو انتقال إلى حياة البؤس والشقاء والعذاب والتعاسة، والشيطان حريص على أن يجرك إليه ويوقعك فيه، فاحذر أشد الحذر من ذلك.
الوصية الثانية: أن تعلم – أيها الحبيب – أن في ذكر الله تعالى طمأنينة للقلب وراحة للنفس وشرحا للصدر، فقد قال الله جل شأنه في كتابه الكريم: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، وذكر الله هو الحصن الحصين الذي يتحصن به الإنسان من كل المكروهات والآلام، ومن كيد الشياطين، فنوصيك بالمداومة على ذكر الله تعالى، الاهتمام بصلاتك، الاهتمام بأذكار اليوم والليلة كأذكار الصباح وأذكار المساء وأذكار النوم والاستيقاظ، ونحو ذلك من الأذكار، وبإمكانك أن تقرأ كتيبا صغيرا في الأذكار المهمة في اليوم والليلة، يسمى (حصن المسلم) للشيخ القحطاني، وهو موجود على شبكة الإنترنت، فتقرأ فيها الأذكار المختلفة خلال اليوم والليلة، والقرآن أعظم الذكر – أيها الحبيب – اجعل لنفسك قسطا منه وحظا.
ولا بأس أن تمارس الرقية الشرعية على نفسك – أيها الحبيب – فاقرأ سورة الفاتحة والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وآية الكرسي، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، اقرأ هذه السور والآيات في ماء واغتسل بهذا الماء، واشرب منه، فإن ذلك يفيدك بإذن الله تعالى.
نسأل الله تعالى لك الخير، وأن يصرف عنك كل مكروه.