أصبحت حياتي دوامة من الذنوب والكسل والتسويف، فماذا أفعل؟

0 29

السؤال

السلام عليكم.

كنت في السابق قريبا من الله، وكنت أحافظ على صلوات الجماعة في المسجد، وختمت حفظ القرآن كاملا في سن 15 سنة، ولكن بعد الختم سافر شيخي خارج الدولة لظروف معينة، وكنت أحبه كثيرا ولم أتعود على شيخ بعده، وأتت الدراسة وانشغلت بها، وابتعدت عن المراجعة تدريجيا حتى نسيته تقريبا، وأنا من بلد ريفي وعندنا الأولاد يشتغلون منذ الصغر أثناء الإجازة الصيفية، أنا مثلا بدأت في السن 13 سنة، ولكن بعد أن اختلطت بالناس في العمل تغيرت أخلاقي على مدار السنوات، وازداد بعدي عن الخالق، ولازمني ذنب كنت أتوب منه كثيرا، وأعود إليه، وكنت أحاول عدم اليأس من التوبة منه.

في الفترة الأخيرة أصبح شغلي في الإجازة الصيفية مختلطا بالفئة الغنية جدا، ووجدت نفسي أحقد على بعضهم وعلى طريقة نظرتهم لمن دونهم، وأنا أعلم إنه المفروض أن أنظر لمن هم أقل مني، وأحمد الله، ولكن عندما أرى من لا يجدون مأوى أو طعاما في يومهم يزداد حقدي على الأغنياء، وأستمر في قول يا رب لماذا لست غنيا مثلهم؟ (أستغفر الله)، وطبعا كنت مؤمنا إن لهم الدنيا ولنا الآخرة، ولكن تفاجأت أن منهم مسلمين يتقون الله، وليس كل الأغنياء المرفهين يدخلون النار.

أردت أن أذكر ما يراودني، حتى لو كانت غير مترابطة، والآن أصبحت حياتي عبارة عن دوامة من الذنوب والكسل والتسويف، وأثرت بالسلب على حياتي الدراسية وعلى حياتي كلها عموما، وأصبحت كل ليلة قبل أن أنام أتمنى أن تكون الأخيرة، وأنا أعلم أني لست مستعدا للقاء الله، ولكن تأتيني فكرة إذا كانت حياتي ستسير إلى الأسوأ، فما الفائدة منها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يردك إلى ما كنت عليه من الخير، وأن يصلح لنا ولكم الأحوال.

أرجو أن تبدأ التصحيح في مسيرتك والعودة إلى ما تركت من قرآن، والإقبال على الصلاة والمواظبة عليها، واحمد الله تبارك وتعالى على ما أولاك من النعم، وكما ذكرت الإنسان ينظر إلى من هم أقل منه في أمور الدنيا، وعلينا أن نتذكر أن هذه الدنيا لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقي منها كافر جرعة ماء، هذه الدنيا جاع فيها الأنبياء، وتعب فيها الصلحاء، وتعب فيها الأتقياء، لأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وقد يتنعم فيها لكع ابن لكع، ولكن لأنها لا تزن عند الله بعوضة، ولذلك لم يجعلها الله ثوابا لأوليائه، ولا رضيها عقابا كذلك لأعدائه.

فعليه أرجو أن تصحح مسيرتك، وتصحح هذه المفاهيم عندك، ونتمنى ألا يحملك ما ترى من تفاوت الناس في النعم على الاعتراض على قضاء الله تبارك وتعالى وقدره، وما يختاره الله للإنسان هو الخير، فإن من الناس من هم على الفقر، لو أغناهم الله لفسدوا، ومن الناس من هم على الغنى لو أفقرهم الله لكفروا، وبالتالي ما يختاره الله لنا هو الأفضل والأحسن دائما، ولذلك قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار)، يعني فيما يقدره الله، قال الفاروق عمر: (لو كشف الحجاب ما تمنى الناس إلا ما قدر لهم).

فاستمر في سلم الصعود الذي يبدأ بالمواظبة على الصلاة، ثم بمراجعة ما من الله عليك به من حفظ للقرآن، واعلم أنك تستطيع أن تسترجع ما حفظت بسرعة إذا أقبلت وصدقت مع الله تبارك وتعالى، ولا تحقد على أحد على نعمة أعطاه الله إياها، واعلم أن أعظم النعم هي أن ينال الهداية من ربه لصلاته وقرآنه وطاعته لله تبارك وتعالى، والسعادة لا ترتبط بكثرة المال أو بقلته، لكن ترتبط بالإيمان واليقين والرضا بما يقدره الله، فالسعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضاء الله وقدره، المواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته.

ونربأ بأمثالك أن يفكر في أن تكون هذه الليلة الأخيرة، فأنت تعلم أن خير الناس من طال عمره وحسن عمله. فانفض عنك غبار الكسل، وتعوذ بالله من العجز والكسل، فإن العجز نقص في التخطيط، والكسل نقص في التنفيذ، واعلم أنك تضر نفسك بهذا العمل، فصادق الأخيار، وأقبل على الحياة بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد، واجتهد في الدعاء لنفسك ولمن حولك.

اطلب دعاء الوالدين، كن مساعدا للمحتاجين ليكون الله في عونك، رتب حياتك، ضع لها جدولا، كما قلنا في أمر الدين: انظر إلى من هم أعلى منك، وفي أمر الدنيا: انظر إلى من هم أقل، وذلك كي لا نزدري نعم الله علينا.

اكتشف نقاط القوة التي ميزك الله تبارك وتعالى بها، ولو لم يكن منها إلا حفظك لكتاب الله لكان ذلك نعمة تستحق أن تشكر الله عليها في الليل وفي النهار، فخيركم من تعلم القرآن وعلمه، ونسأل الله أن يعينك على الخير.

مواد ذات صلة

الاستشارات