صديقي تعرض للتحرش في صغره ويريد الانتقام عندما كبر، ما رأيكم؟

0 37

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر لكم مجهودكم في هذا الموقع، وأرجو من الله القبول.

لدي صديق تعرض وهو في سن 11 سنة للتحرش عدة مرات، ولم يكن يعي خطورة الأمر حينها، وكان يتضايق فقط ويغادر المكان، لكنه مؤخرا فهم الأمر وتضايق جدا، وأصبح يرى أنه بلا قيمة، وأنه بضاعة مستعملة، وهو يسأل هل هذا صحيح، هل تعرضه للتحرش يقلل من قيمته؟ وإن كانت الإجابة لا، فلم يقال أن الفتاة يهتك عرضها عندما تتعرض للاغتصاب؟ فأنا أفترض أنهما سيان في النوع، وإن كان التحرش أقل طبعا من الاغتصاب.

وهل يمكنه فعل شيء كي يسترد كرامته؟ فهو يفكر بالانتقام ممن تحرشوا به، فقد كبر وأصبح قويا الآن، ولم يعد هناك فرق في الحجم بينه وبينهم، فأنتم تعلمون أنه في سن 11 سنة وما حوله يكون هناك تفاوت كبير بين أصحاب الأعمار ذاتها، فلم يستطع أن يرد باليد وقتها.

هذا وقد حصل بينهم صداقة بعد ذلك، فالأمر حصل منذ زمن، ولم يعودوا يفعلون ذلك الأمر، وهو أيضا لم يكن يحسب حسابا للأمر إلا منذ وقت قريب، وهم أصلا سيتفاجؤون إن عاملهم بأسلوب سيء، فضلا عن أن يفتعل شجارا معهم.

هل عقابهم أو فضحهم بأي شكل سيحسن الحال؟ هو أخبرني أنه يستطيع أن ينسى ويتعامل كأن شيئا لم يكن، فهو ليس لديه المشكلة كما لدى غيره، لكنه يقول: طالما أنه في إمكاني تحسين الوضع (بمعاقبتهم) فلم لا أفعل؟

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا

كم هو مؤلم على النفس أن يتذكر الإنسان مثل هذه الحوادث الجارحة للكرامة؛ حتى وإن كانت في الصغر، لكن ذكراها تظل تحفر عميقا كالصخر في الكبر، لكن هل عقاب المتسبب بالمشكلة سيكون مفيدا للتخلص من تلك الذكريات الأليمة؟

قد يكون مفيدا نوعا ما، لكن لو نظرنا للصورة الإجمالية للحادثة سنجد ما يلي:

1- الحادثة تمت في الصغر (وقبل البلوغ غالبا) سواء من المتحرش أو المتحرش به، وهذا يعني أن الفعل خطأ، لكن صاحبه لا يقع تحت طائلة العقوبة، لا الشرعية ولا القانونية، فهذا يصنف من باب (لعب الأطفال)، وليس (جريمة) يعاقب عليها القانون، لكن القانون قد يخضع كلا الطرفين للعلاج النفسي وإعادة التأهيل، أما من الناحية الشرعية فالحديث النبوي الشهير في مثل هذه المسائل: (رفع القلم عن ثلاثة.. ومنهم: الصبي حتى يحتلم) أي: يبلغ.

والقاعدة العامة في مرحلة ما قبل البلوغ هي أن الأطفال تكتب لهم الحسنات ولا تكتب عليهم السيئات، لذلك فالجميع غير مؤاخذين عند الله تعالى.

2- في المرحلة الحالية صاروا أصدقاء، وهم لم يعودوا يتذكرون هذه الحادثة (أو بالأحرى يرفضون تذكرها ليتجاوزوها كمرحلة من المراحل النمائية التي تتسم بالمغامرة والتجريب) خاصة في بدايات المراهقة بعد سن العاشرة، فليس مفيدا نبش هذا الماضي معهم، لأنه لن يحل المشكلة، بل سيخلق مشاكل جديدة، قد تودي بحياة بعض الأشخاص أحيانا، أو الدخول في منازعات قضائية لا طائل من ورائها.

3- إذا تم نبش حادثة التحرش والانتقام من الأشخاص المعنيين، فلن تقف الحادثة عند هذا الحد، بل قد ينتشر خبر هذا التحرش، ويقع الشخص المتحرش به -خصوصا- في حرج كبير جراء تشوه السمعة، ومن شأن هذا الأمر أن يولد لديه صدمة جديدة، قد تكون أعظم من صدمة حادثة التحرش نفسها! لذلك فالأفضل هو عدم نبش هذه الحادثة مرة أخرى.

قد تقول: إذن ما هو الحل، هل أظل أعاني هكذا طوال حياتي؟

والجواب هو أن لكل مشكلة حلا، ولكل مرض علاجا، فالصدمات النفسية في الطفولة أو في الكبر Trauma يمكن علاجها والتخفيف منها، بحيث لا تعود تقلق صاحبها، ولا تؤثر على حياته المهنية والاجتماعية، وذلك بأخذ حصص كافية من علاج الصدمات النفسية لدى الأخصائي النفسي، وهناك علاجات لها أدلة علمية advance-based أثبتت جدواها ونجاعتها، مثل العلاج المعرفي السلوكي CBT، والعلاج بنزع التحسس بحركة العينين EMDR والعلاج بالتقبل والالتزام، وغيرها من العلاجات النفسية التي لها أدلة تجريبية، والجميل أنه يمكن استخدام هذه العلاجات بحسب البيئة والخلفية الثقافية للشخص الذي يطلب المساعدة والتشافي من الصدمات النفسية.

أما سؤالك: هل التحرش يقلل من قيمة الشخص؟
والجواب: لا، لأن الشخص المتحرش به هو ضحية للمتحرش، وينبغي الوقوف معه ومساندته ماديا ومعنويا، وهذا لا يقلل من احترامه مطلقا، لأن هذا نوع من الابتلاء نزل به، شأنه كشأن بقية الابتلاءات الأخرى كالفقر والمرض ونحو ذلك.

أما لماذا يقال بأن الفتاة يهتك عرضها عندما تتعرض للاغتصاب؟
فهذا صحيح: فالاغتصاب أو حتى مجرد التحرش سواء أكان للفتاة أم للشاب، كلاهما يحصل له هتك عرض وانتهاك كرامة من قبل الشخص المتحرش، لكن الموقف السوي للمجتمع بعد ذلك ينبغي أن يكون احتقارا وامتهانا للشخص المتحرش إلا إن تاب واعتذر عن فعلته، وفي ذات الوقت ينبغي للمجتمع السوي أيضا القيام بمساندة الشخص المتحرش به، وهذا لا يقلل من كرامته كما أسلفت، فوقوع الابتلاء شيء، وموقفنا من الشخص المبتلى شيء آخر، فلو أصيب هذا الشخص بالإنفلونزا مثلا؛ هل سيشعر بانتهاك الكرامة؟! كذلك الحال هنا.

والله أعلى وأعلم، نسأل الله أن ييسر أمركم، وأن يشرح صدركم، وأن يهدي الجميع سواء السبيل.

مواد ذات صلة

الاستشارات