السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لكم على توفير مثل هذا القسم (الاستشارات).
سؤالي: هل من الغريب أني لا أعرف شعور الفرح؟ فأنا تقريبا لم أشعر بهذا الشعور في حياتي حتى مع أقرب الناس لي، ومع أكثر من أحبهم، فأنا عندما يخبرني أحدهم خبرا مفرحا لا أشعر بأي شيء، ولا أسأل حتى عن أحوال أحد قط، أو درجات إخوتي في المدرسة، أو أي شيء، ولكن عندما يخبرني أحدهم خبرا محزنا له أتعاطف معه، لكن أن أفرح لخبر مفرح، فهذا لا يحصل ولو قليلا، وتقريبا لست مهتما بأصدقائي أبدا، وكنت أستغرب استغرابا شديدا أن يسأل أحدهم عني ويريد الاطمئنان علي حتى بعد فترة مرض بسيطة وغير خطيرة، أو مجرد غياب لفترة عنهم.
أحس أنه لو مات أحدهم فلن أكون مهتما كثيرا، أنا في فترة غيرت هذا الطبع فقط؛ لأني أحسست أنها أنانية أن صديقي هذا مهتم كل هذا الاهتمام وأنا لست مهتما به إلا ظاهريا، فأنا أساعده فيما يحتاج وأواسيه، لكني لست مهتما له حقا، ولا أشعر بشيء لفرحه أو حزنه.
أنا أعلم أن هذه ليست عادة الناس، وقد أخبرني كثيرون أن أغير هذا الطبع وأنا في مقدرتي تغييره بسهولة، لكني أحس أن حالتي هذه أقوى، فأنا لا يهمني غياب أحد أو حضوره ومستأنس بنفسي، ولا أحتاج أحدا أفضي إليه بشيء أو يشاركني حياتي مهما يكن، وأني لو تغيرت فسأكون سعيدا بوجود من أحبهم، ولكن سأحزن عندما يرحلون سواء كانوا أصدقاء، فالأيام والتخصصات الدراسية تفرق أو السفر لأي سبب يفرق، لكني لو بقيت هكذا فأنا لست متضايقا من شيء، أو منزعجا من هذه الحالة، فقد أمضيت أغلب حياتي هكذا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا.
لا شك أن التواصل مع الآخرين، والشعور بشعورهم، والفرح لفرحهم، والحزن لحزنهم، هو مفتاح النجاح في العلاقات الاجتماعية، وليس المطلوب هو تقمص حالة الفرح والحزن تلك، وإنما المطلوب هو إظهار الاهتمام بأحوال الآخرين، والسؤال عنهم، وتفقد أحوالهم، ولذلك جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول:( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس). ويقول الله عز وجل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض).
والولاية معناها المحبة والنصرة، وهي من أهم الروابط الاجتماعية ذات المنشأ العقدي الإيماني.
وبسبب هذا الولاء فقد وضع الإسلام للجار حقوقا تفوق حقوق الشخص الغريب، وجعل إيذاء الجار من خوارم المروءة والإيمان، لذلك يقول النبي ﷺ : "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه" متفق عليه.
وكذلك جعل للوالدين حقا مستقلا، وللزوجة والأبناء، وللإخوة والأخوات وسائر الأرحام، وسنجد هذه العلائق والوشائج ترتبط ارتباطا وثيقا بتحقيق الإيمان الكامل، وتحقيق السعادة المنشودة لبني الإنسان.
ما ذكر أعلاه، هو مقدمة عامة في شأن التواصل وصلة الرحم، ومراعاة حق الإخوان والأصدقاء؛ أما مشكلتك تحديدا، فتحتاج إلى مزيد فحص واستيضاح، ولا نريد أن نقول لك بأنك تحمل بعض ملامح الاكتئاب، فهذا الأمر يتطلب فحصا إكلينيكيا لدى الأخصائي النفسي، وهو ما ننصحك به بداية، ليتم استبعاد هذه الفرضية، كما يتم استبعاد فرضية الاكتئاب المرتبط (بسمات الشخصية)، وهذا كله سيتم اختباره وتوضيحه من قبل الأخصائي النفسي، لذلك نحن حريصون على عدم ذكر أي تشخيص، لنقص المعلومات الموضوعية والمقاييس النفسية التي تقيس الاكتئاب وغيره من الاضطرابات النفسية أو اضطرابات الشخصية.
من الملاحظ أنك تحب العزلة والانطواء، ولا تحب الاختلاط بالآخرين، كما أنك لا تشعر بأي بهجة أو فرح لهم، بينما تشعر بحزن شديد لمجرد حادث عابر لأحدهم، وهذا هو ما حدانا بالقول بأنه ينبغي أن تخضع للتقييم النفسي لدى شخص مؤهل ومختص، وهذا لا يعيبك في شيء، فالمرض النفسي-إن كان موجودا- شأنه كشأن الأمراض البدنية الأخرى كالصداع والحرارة، يتطلب تدخلا دوائيا أو تدخلا علاجيا سلوكيا، وقد يعيش الشخص فترة طويلة من حياته وهو لا يعلم بأنه مريض، فضلا عن أن يعلم عن طبيعة مرضه وتشخيصه وكيفية علاجه.
والنبي ﷺ قد قال: تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم رواه ابن ماجه وأحمد وغيرهما.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.