السؤال
السلام عليكم.
أنا طالبة عمري ٢٠ سنة طالبة، أتساءل: كيف تدرس البنات؟ هل هن أذكياء بسبب الراحة والأكل الطيب، وهو غير متوفر لدينا، أم بسبب الوراثة والذكاء وهو غير متوفر، أم بسبب التوفيق من رب العالمين وهو غير متوفر لدينا، فوالدي يدعو علينا ليل نهار، ونحن نغضب أمي وأبي ونعصيهم، ذلك بسبب سوء التربية والمعاملة والظروف والبيئة؟
كيف أنظم وقتي لأعطي كل شيء حقه من دراستي والعمل بالمنزل، والصلاة والقرآن والأذكار، كيف أدرس بسرعة وأحفظ ولا أنسى، كيف أتقرب إلى الله وأثق به وأؤمن بأنه لن يصيبني إلا ما كتبه لي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا.
لاحظت لك عددا غير قليل من الأسئلة والاستشارات بالموقع؛ وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مستوى الوعي والذكاء عندك، لذلك فهذا أول رد على أنك لا تتمتعين بالذكاء الوراثي، بل أنت ذكية، ولولا ذلك ما كانت هذه التساؤلات ولا الحرص على معرفة كيف تستفيدين من حياتك وكيف تنظمينها.
أما موضوع أثر الأكل الطيب والراحة على الذكاء، قد يكون له حظ من الصحة، لكن العبرة ليست بالتغذية السليمة فقط، بل تكمن العبرة بالاستفادة من هذه التغذية في العمل والإنجاز، والواقع المشاهد يقول بأن الإنسان إذا كان في نعيم وترف وخلد إلى الراحة فإنه يقعد عن العمل ولا ينجز كثيرا، بينما لو كان في عوز وحاجة فإنه يسعى بجد واجتهاد لتحسين وضعه المعاشي، سواء بالاهتمام بالدراسة أو بالاهتمام بالأعمال التجارية وبما يحقق له دخلا ماديا يقتات منه، ولذلك قال الشاعر العربي الحكيم:
إن الشباب والفراغ والجدة… مفسدة للمرء أي مفسدة
والجدة: -بكسر الجيم- من الوجد والحصول على الشيء، بمعنى أن يتوفر للشاب كل ما يطلبه من احتياجات مادية إضافة إلى الفراغ فهذا يصنع منه شابا فاسدا لا شابا صالحا، وهذا في الغالب، وإلا فليس كل الشباب الأغنياء كذلك، بل منهم المجدون والمجتهدون.
أما دعاء الوالدين عليكم لأنكم تغضبونهم، فليس كل دعاء يستجيبه الله تعالى للوالدين، خاصة إذا كان هذا الدعاء لا مبرر له، أو كان فيه تحامل من الوالدين عليكم، لذلك قال النبي-ﷺ: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"، رواه مسلم، وهذا لا يعني التهاون بدعوة الوالدين، فشأن دعوتهما عظيمة، لكن لا ينبغي أن نعلق كل ما أصابنا من مصائب، أو تخلف دراسي، أو مرض، أو فقر على دعوة الوالدين، وأنهما السبب في ذلك.
أما سؤالك: كيف ترتبين حياتك؟
فلن نقول لك نامي مبكرا، ولن نقول لك اجتهدي في دروسك وأطيعي والديك، فهذه أمور تعلمينها جيدا، وتستطيعين ترتيبها -إذا قررت ذلك-، ولكننا سنذكر لك مفتاحا واحدا ومهما في ترتيب حياتك كلها، وهذا المفتاح هو (لا تلقي باللوم على غيرك) وتحملي مسؤوليتك الشخصية عن الأمور المتعلقة بك، فأنت لست مسؤولة عن الطقس هل هو حار أم بارد، ولست مسؤولة عن حياة الناس حولك هل هم أغنياء أم فقراء، سعداء أم أشقياء، ولكنك مسؤولة عن حياتك الشخصية وما يتعلق بها، هل أنا أديت واجبي الفلاني أم لا، هل أنا حافظت على علاقتي مع الآخرين من حولي كالأسرة والأرحام وخاصة الوالدين أم لا، هل حافظت على علاقتي مع ربي وطورتها أم لا.
مثل هذه الأسئلة هي الأسئلة التي ينبغي أن نهتم بها، وأن نركز على مسؤوليتنا نحن لا على مسؤولية الآخرين، وهذا النوع من التفكير هو ما يسمى (بمركز الضبط) Locus of control ومركز الضبط نوعان: داخلي وخارجي، فصاحب الضبط الخارجي دوما يلقي باللوم على غيره، ويحمل غيره تبعات فشله، بينما صاحب الضبط الداخلي يتحمل مسؤولية تقصيره ومسؤولية خطئه، ولا شك أن النجاح يحالف صاحب الضبط الداخلي أكثر من صاحب الضبط الخارجي.
ونضيف لك مفتاحا ثانيا من مفاتيح فهم الحياة، وهو مفتاح الرضى بما حققت من إنجاز، وعدم النظر بدونية وتقليل لإنجازاتك الشخصية، فكما لاحظت من سؤالك: اهتمامك بترتيب وقت للصلاة ولقراءة القرآن والأذكار، فمجرد التفكير (والاهتمام) بهذه القضايا من شابة يافعة مثلك هو إنجاز كبير بحد ذاته، حيث نرى فتيات وشباب آخرين لا يعيرون هذه القضايا المهمة بالا، ولا يلقون لها أي اهتمام.
سؤالك الأخير: كيف أتقرب إلى الله وأثق به، وأؤمن بأن لن يصيبني إلا كتب لي.
هو سؤال يدل على وعي كبير منك، وتأكدي بأن الله -عز وجل- إذا علم صدق نيتك في طلب الهداية فسوف يوفقك لها، وسوف يفتح لك أبوابها، مصداقا للوعد الإلهي الكريم: ﴿وٱلذین ٱهۡتدوۡا۟ زادهمۡ هدࣰى وءاتىٰهمۡ تقۡوىٰهمۡ﴾، [محمد ١٧].
والاهتداء معناه طلب الهداية، وهذا هو عين ما تفعلينه تماما عندما تحرصين على السؤال عن هذه الأمور، وتتبعين كيفية تحقيقها بالطريقة السليمة وبالطريقة التي يرضاها الله تعالى.
خلاصة هذه الفقرة: إذا أردت الوصول إلى التوفيق والهداية فأخلصي قلبك في طلبها من الله تعالى.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.