السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب أبلغ من العمر ٢١ عام، مشكلتي أن أمي تشوه صورتي أمام الناس، وتخبرهم أشياء عني تجعل الناس تكرهني، مثلا: تستمر بإخبار الناس كيف كانت تطعمني وأنا صغير، كيف كانت تشتري لي ملابس، تخبرهم أنني لست جيدا معها، ووالله هذا غير صحيح.
أنا شاب هادئ جدا، ولكن أمي تستمر بالغضب علي، وقذفي بشتائم بذيئة دون سبب، مثلا عندما تريد إيقاظي من النوم تقوم بالدعاء علي، وتقول: استيقظ، الله لا يوفقك، استيقظ، الله يغضب عليك.
كل مبلغ من المال قامت بصرفه علي تقول لي: (الله لا يسامحك فيه، تضعهم على صحتك وعافيتك)، لدرجة أنها تحاسبني على أخطاء ارتكبتها وأنا طفل صغير من عمر السنة إلى ما قبل البلوغ! كل خطأ قمت به تستمر بمحاسبتي عليه، والدعاء علي بسببه، رغم أن أخطائي كانت مثل أخطاء أي طفل.
تستمر بإخبار الناس عن هذه الأخطاء، والدعاء علي أمام الناس على هذه الأخطاء رغم أنها كانت تقوم بضربي على كل خطأ، وكانت تجعل خالي يقوم بضربي، ولم يكن أي ضرب، بل كان بالخرطوم والحزام، لدرجة أنه ذات مرة قام بتعليقي بالمقلوب، رأسي إلى الأسفل وقدماي للأعلى، وهي تضحك وتقول لي: تستحق هذا.
كان عمري في ذلك الوقت ٨ سنوات أو أقل، ولم يتوقف الأمر هنا، بل بعد وفاة والدي تزوجت وأصبحت تطلب من زوجها ضربي حتى يؤدبني، ولم يكن ضربه لي عاديا أيضا، بل كان بالخرطوم والحزام وسلك الكهرباء، ولم أكن قد أتممت سن الثالثة عشرة.
بالرغم من كل هذا تستمر بإخبار الناس عن أخطائي وأنا صغير، وأنا كبير، وأرى كره الناس لي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، نسأل الله أن يصبرك على ما يحدث، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يرحم الوالد، وأن يرزقك بر الوالدة، هو ولي ذلك والقادر عليه.
أرجو أن تعلم أن بر الوالدة طاعة لله، وأن من أهم البر الصبر على الوالدة خاصة في الحالة المذكورة، التي لا نوافق على ما يحدث معك ولا ما حصل معك، ولكن هذا ابتلاء واختبار، وندعوك إلى مداراة الوالدة، والمدارة أن تعاملها بما يقتضيه حاله، تفادي الأمور التي تغضبها، أد ما عليك، فإن رضيت الوالدة فبها ونعمت، وإن لم ترض فالله عنك راض، لأن البر عبادة لله تبارك وتعالى، وإذا ابتلي الإنسان بأب أو بأم فيها صعوبة -فيه قسوة، فيه شراسة - لا يمكن أن يرضى، فالعبرة هي أن نرضي الله، ولذلك قال الله -تبارك وتعالى- في سورة الإسراء بعد آيات البر: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} قال بعدها مباشرة: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}، قال العلماء: في الآية عزاء لمن قام بما عليه ومع ذلك لم يرض الوالد ولم ترض الوالدة، في هذه الحالة أنت أديت ما عليك.
فاستمر في المعاملة الجيدة والرائعة، ولا يهمك كلامها للناس، فالناس سينظرون إلى أخلاقك وإلى صفاتك وإلى ما عندك من الخير، ولا تحاول أيضا أن تعاندها أو تعاملها بقسوة؛ لأنها تظل أما، والأم مهما كان دينها ومهما كان الذي يحصل منها الإنسان مطالب أن يصاحبها بالمعروف، صحيح إذا أمرت بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن ما عدا ذلك أنت الذي ينبغي أن تتنازل وتصبر وتحتمل منها، ولا تغتم لكلامها، وتفادى من الأصل ما يجعلها تغضب، ما يجعلها تعيد شريط الماضي والأحداث التي حدثت.
أكرر: نحن لا يمكن أن نوافق على ما حصل منها أو من الخال، أو من زوجها -يعني بعد وفاة الوالد- كل هذا الذي يحدث نحن لا نوافق عليه، ولكن -الحمد لله- أنت الآن في عمر استطعت أن تصل هذه المرحلة العمرية، وكتابة هذه الاستشارة تدل على أنك وصلت لمرحلة من النضوج، تستطيع أن تستأنف مشوارك في الحياة، مستعينا بالله -تبارك وتعالى-، فاهتم بالوالدة، وقم بما عليك تجاهها، ولا تحاول أن تعاملها معاملة الند، فهي والدة، وينبغي أن نسمع كلامها، ونحتمل منها، وإذا لم يصبر الإنسان على أمه فعلى من سيكون الصبر؟
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، ونسأل الله الهداية للوالدة، ونسأل الله أيضا أن يرحم الوالد وأمواتنا وأمواتكم، هو ولي ذلك والقادر عليه.