السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رأيت عدة استشارات لهذا الموقع المبارك، وآمل أن أجد جواب لحالتي.
أنا عمري17 سنة، أشعر أنني ضعيف جدا وجبان، لا أستطيع التحدث أكثر من جملتين على الأكثر، بحيث أخاف أن أقول أي كلمة وأنا جالس مع أحد، حتى أعمامي أخجل من التحدث معهم عندما نزورهم، دائما صامت مستحيل أن ابدأ الحوار، فقط أجيب ولا أستطيع مجاراة ألاعيب الناس، فدائما أكون الشخص الذي يضحك الناس عليه، ظننت أن الأمر بسبب قصر قامتي والجسم الصغير، لكن يوجد من يستطيع الكلام والحوار وأصغر مني.
وأيضا أنا جبان جدا، أخاف من كل شيء، لو سمعت صوتا فجأة في الشارع أرتعب للحظة، لو المدرس نادى وقال يا محمد في الحصة حتى لو لم يقصدني أرتعب مباشرة، وأخاف من مواجهة الشارع إذا تنمر علي أحد، لا أدري ما أقول، دائما صوتي كأني خائف جدا، وعندما أذهب لا أذكر ما حصل بسبب الخوف.
أعتقد عندما كنت أصغر في السن كنت أشجع قليلا في الكلام، لكن كنت أخاف من مواجهة الشارع، أخاف عندما أتزوج أكون جبانا، أشعر أني لا أفهم شيئا في الحياة، لست أهلا للمسئولية، أريد أن أعامل الناس مثل الرسول -عليه الصلاة والسلام- والصحابة، أتمنى هذا لكن أنا لا أجيد التحدث أبدا، لا أستطيع فتح حوار إلا السلام عليكم، كيف الحال فقط، ما الحل لهذا الأمر الصعب؟
أرجو الرد المطول والمفصل.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الكريم-، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعطيك الصحة والعافية، وأن يلهمك الشجاع والإقدام، وليس ذلك على الله بعزيز.
الحالة التي ذكرتها هي تصنف ضمن حالات الرهاب الاجتماعي أو القلق الاجتماعي، ويعاني منه الكثير من الناس في هذا الزمان، وله طرق علاجية سلوكية ودوائية، وسنعرض عليك بعض الإرشادات، و-إن شاء الله- ستفيدك كثيرا في التغلب على المشكلة، وأيضا بعض التدريبات التي يمكن أن تقوم بها، فالجانب المعرفي الذي نريده منك هو أن تركز على الأشياء الآتية، بمعنى أن هنالك فكرة سلبية عن نفسك، وهذه قد تؤدي إلى انخفاض الثقة بالنفس، ونظرتك لنفسك - كما هو واضح في رسالتك - أنك تستصغر نفسك أو تهمشها، أو تقدر ذاتك بصورة غير صحيحة.
أولا - ابننا محمد - نرجو منك عدم تضخيم فكرة الخطأ، وإعطائها حجما أكبر من حجمها، فكل ابن آدم خطاء، وجل من لا يخطأ، وينبغي أن تتذكر أن كل من أجاد مهارة معينة أو علم معين مر بكثير من الأخطاء، والذي يحجم عن فعل شيء ما بسبب الخوف من الخطأ لا شك أنه لا يتعلم، والذي يخشى الانتقادات أيضا لا يتعلم، والذي يخشى نظرة الناس إليه أيضا لا يتعلم.
ثانيا: لا تستعجل في الإجابة على الأسئلة المفاجئة، محاولا إعادة السؤال على السائل، بغرض التأكد، ولا تضع نفسك في دور المدافع، بل ضعها في دور المهاجم.
وأيضا في المحادثات التي تدور بينك وبين الآخرين تعلم كيفية إلقاء الأسئلة، ومارسها أكثر مع من تصاحب، واعلم أن الناس الذين تتحدث معهم أيضا لهم عيوب، يعني: إذا قلنا لك - أخ محمد - هل يمكنك أن تلقي درسا على تلاميذ في المرحلة الابتدائية - مثلا - في صف أول، في صف ثاني، لا شك أنك تستطيع ذلك؛ لأنك تقدر أن هؤلاء التلاميذ هم أصغر منك سنا وعقلا، فالأمر مرتبط بتصورك لمن تحادث، أو لمن تتكلم معهم، فكلما كبرت الأمر أثر ذلك على ثقتك في نفسك، وأثر ذلك على تقديرك لذاتك.
حاول أيضا - ابننا محمد - أن تضع لك برنامجا تدريبيا يوميا تقوم فيه بتحضير مادة معينة، أو درسا معينا، وقم بإلقائه، حتى ولو كان مكتوبا، قم بإلقائه في غرفة خالية، أو في مجلس فيه فقط كراسي جلوس، ليس بها أحد، أو يكون بها من تألفهم من الناس، مثل القريبين منك في الأسرة، ولاحظ على نفسك التغيرات التي تحدث لك في كل مرة، وقم بتسجيلها، أو تسجيل طريقة القلق والتوتر التي تشعر بها في كل مرة، واجعل لها مقياس، مثلا من واحد إلى عشرة، حيث إن الدرجة عشرة هي أعلى درجات القلق، ثم اجتهد في كل مرة أن تنخفض هذه الدرجة إلى أقل ما يمكن، وذلك لاستعادة الثقة بالنفس.
والعلاج حقيقة يكمن في أنك تتعرض للمواقف الاجتماعية بقصد أو بنية التخلص من هذا التوتر، لأنه هو السبب الأساسي. فإذا وجدت فرصة في أن تقدم نفسك للآخرين، إذا وجدت فرصة في أن تسأل أسئلة، إذا وجدت فرصة في أنك تعقب على كلام أو تعلق على حديث معين فافعل؛ لأن هذا هو الذي يزيل المشكلة من جذورها، أما التخوف والابتعاد وعدم المواجهة فيزيد المشكلة تعقيدا.
نسأل الله سبحانه وتعالى لك دوام الصحة والعافية، والله أعلم.