السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع المفيد، وأرجو من الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.
أنا شاب بعمر 25 عاما، وأدرس في كلية الهندسة، مشكلتي أني كثير التخيل، حيث أني منذ الطفولة أقضي معظم ساعات اليوم في أحلام اليقظة.
المشكلة تطورت كثيرا منذ 5 شهور تقريبا؛ حيث إني صرت غير قادر على التركيز أثناء التحدث مع الناس، بسبب أني عندما أتحدث أتخيل وجود أشخاص آخرين موجودين في المجلس ويسمعون كلامي، ويثنون ويعجبون بما أقول، وأعلم أنه خيال ولكنه خيال قسري!
ذهبت إلى طبيب أعصاب وأخبرته بمشكلة التركيز فعمل لي رنينا للدماغ، والنتيجة جيدة، والحمد لله، وحولني إلى طبيب نفسي.
أخبرت الطبيب عن ضعف تركيزي سواء بيني وبين نفسي أو بيني وبين الناس، يكون أكبر بكثير، ولكن لم أجرؤ أن أخبره بأحلام اليقظة فأخبرني أني مصاب باضطراب القلق العام وأعطاني citoles 20 mg.
الآن سأحاول سرد الأعراض بالتفصيل لكم:
عند الحديث أو الاستماع للآخرين، تأتيني أحلام يقظة قسرية، مما يجعلني أتوتر بشكل كبير، فاقدا تركيزي ولا أفهم معظم ما يقال لي.
أحلام اليقظة التي عندي تأخذ طابعا وسواسيا، فكلما أقول: إني لن أدخل بها أجد نفسي قد دخلت وأبدأ بالتركيز عليها.
عندما أكون في المحاضرات يأتيني شعور أني لا أستطيع التركيز، ولا الفهم أبدا، وبالفعل هذا ما يحصل، ولكن أثناء الدراسة في المنزل أستطيع فهم الدروس حتى الصعبة، مع أني متفوق جدا في المواد التي تعتمد على الرياضيات والمنطق.
أعاني من توتر لدرجة أني أحس بفقدان الوعي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك العافي والشفاء والتوفيق والسداد.
كما تفضلت لديك طاقات نفسية قلقية منذ الطفولة، لأن أحلام اليقظة ترتبط بالقلق، وما يحدث لك الآن - أيها الفاضل الكريم - هو نتيجة لما نسميه بالقلق التوقعي، أي أنك قبل أن تبدأ في أي شيء تتوقع أنه سوف يحدث لك كذا وكذا، فعلى ضوء ذلك تبدأ الأفكار تتداخل، مثلا وأنت داخل المحاضرة قطعا تأتيك بعض الأفكار التي - كما وصفتها - هي أحلام يقظة، وهي حقيقة ليست ذات أهمية.
أنا أعتقد أنك محتاج أن تقلل وتتحكم في القلق الاستباقي، والقلق الاستباقي يمكن للإنسان أن يتخلص منه من خلال: ألا تعتقد أن ما حدث لك فيما مضى سوف يحدث لك الآن، هذا مهم جدا.
النمطية في التفكير تقود الإنسان إلى النمطية في المشاعر، أي الذي حدث بالأمس أو قبل الأمس سوف يحدث الآن أيضا، لا، الإنسان يتغير، الإنسان يتجدد، الإنسان يتطور، ويحدث له النضوج النفسي ولا شك في ذلك.
هنالك أساسيات للاستفادة من هذه الطاقات النفسية السالبة وتحولها إلى طاقات إيجابية، من أهم الأشياء هو: ممارسة الرياضة بانتظام، هذا مهم.
ثانيا: ممارسة تمارين الاسترخاء، خاصة تمارين التنفس المتدرجة، تمارين قبض العضلات وشدها، تمارين التأمل والتدبر، تمارين ما يسمى بالاستغراق الذهني، هذه كلها مفيدة، ويجب أن تلجأ إليها. إذا دربك الأخصائي النفسي على تمارين الاسترخاء هذا سيكون أفضل، وإن لم تستطع ذلك يمكنك أن تستفيد من أحد البرامج الموجودة على اليوتيوب والتي توضح كيفية تطبيق هذه التمارين.
حسن إدارة الوقت والتخلص من الفراغ أيضا من الأساسيات والضروريات التي تساعد في تحسين التركيز، وتقلل كثيرا من الشعور القلق المتواصل، ومن أفضل كثيرا أن تبدأ بداية صحيحة فيما يتعلق بحسن إدارة الوقت، وذلك من خلال: النوم الليلي المبكر، وتجنب السهر. النوم الليلي المبكر يؤدي إلى استرخاء كامل في الجسد، ويؤدي إلى تنظيم إيجابي جدا في خلايا وكيمياء الدماغ، ويستيقظ الإنسان نشطا، يؤدي صلاة الفجر بكل خشوع، وبعد ذلك يمكن أن تبدأ تمارين رياضية إحمائية، وبعد شرب الشاي والاستحمام - وخلافه - تبدأ في المذاكرة.
البكور فيه بركة عظيمة جدا، ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) وقال: (بورك لأمتي في بكورها)، وكما ذكرت لك النوم الليلي المبكر هذا يؤدي إلى ترميم كامل حتى في وجدان الإنسان من وجهة نظري وبدون أي مبالغة، فعليك أن تستفيد من فترة الصباح للدراسة قبل أن تذهب إلى مرفقك الدراسي.
هذه هي الأشياء الضرورية والمهمة، وأزيد على ذلك أن قراءة القرآن بتدبر وتؤدة يحسن من التركيز كثيرا.
الدواء الذي وصفه لك الطبيب دواء ممتاز، فواصل عليه، وإن شاء الله تعالى سوف تجني فائدته، ويمكن أن تدعمه بدواء آخر يسمى (سولبيريد) بجرعة خمسين مليجراما في الصباح لمدة شهرين مثلا، هذا أيضا يقلل كثيرا من القلق ومن أحلام اليقظة، لكن شاور الطبيب حول إضافة السولبيريد.
أخي الكريم: حاول دائما أن تكون مستمعا جيدا، لأن هذا يحسن من التركيز. اعزم وصمم أن تكون مستمعا جيدا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.