السؤال
السلام عليكم
أبي مصاب بالفصام، وقرأت أن هذا المرض وراثي ويمكن أن ينتقل للأبناء، وأصبحت خائفا أن أصاب بهذا المرض، وهذا القلق دمر حياتي.
علما بأن والدي أبي ليسا مصابين، أو أشقاء، أو أحد من العائلة، فكيف يكون وراثيا؟
والدي أصيب بالمرض في عمر 33 سنة، أصابه المرض بعد ولادتي ب 7 سنوات، فهل هذا يعني أنني لن أصاب؟ وهل يمكنني أن أعرف إن كنت سأصاب أم لا؟ مثل فحص الجينات مثلا، وإذا كانت الجينات سليمة فهل هذا يعني أنني لن أصاب أبدا؟
لدي وسواس قهري فهل يمكن أن يكون وراثة من أبي؟ وهل الشك في الناس من الوسواس أم من الفصام؟
أنا لا أشك في الناس، لكن إذا حصل موقف من شخص أظل أشك فيه، ولا تعود الثقة فيه، ويمكن أن أشك في غيره، لكن بعض الشكوك أعرف أنها ليس منطقية، فهل هذا طبيعي؟
أصبحت قلقا أن يصاب إخوتي أيضا بالفصام، وأن يرثوه من أبي، وهل مرض الفصام يمكن أن يورث للأبناء نظرية مؤكدة؟
أصبحت أتمنى الموت، وأفكر بالانتحار بسبب هذا القلق، وأصبحت أفكر أن هذا القلق سيبقى طول حياتي، وأنني سأبقى قلقا بأنني سأصاب بهذا المرض، وقلت يستحيل أن يذهب هذا القلق، وسأبقى خائفا مدى حياتي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Abed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك أخي الفاضل -من فلسطين التي تعيش هذه الأيام أياما صعبة، ندعو الله تعالى لكم بالفرج- ونشكرك على التواصل معنا عبر الشبكة الإسلامية بهذا السؤال الهام، والذي من الواضح أنه مسبب لك الكثير من القلق.
موضوع التأثير الوراثي للأمراض النفسية أمر ثابت ومعروف من خلال دراسات كثيرة، وخاصة دراسة التوائم التي ربيت في بيئتين مختلفتين، ولكن هذه الوراثة قد تهيأ الشخص للإصابة، إلا أن ذلك لا يعني أبدا ضرورة الإصابة بالمرض، فهو ليس بمرض لازم، فنحن نقول عادة في الطب النفسي أن التأثير الوراثي (multifactorial) أو (متعدد العوامل)، فالغالب أن المرض لا يظهر لمجرد الوراثة فقط، ولكن لابد من عوامل أخرى بيئية، ودليل هذا: لو كانت الوراثة هي العامل الأكبر -أو الوحيد- لكان انتقال الأمراض من الآباء للأبناء يكون بنسبة مائة بالمائة، وهذا غير صحيح، فنسبة الإصابة قد تكون 15 : 20%، مما يدل على أن العامل الوراثي ليس هو العامل الأساسي.
وهذا أيضا واضح من خلال ليس فقط الأمراض النفسية، وإنما حتى الأمراض البدنية، فالإصابة ليست بأمر لازم، فمثلا داء السكري، فإذا كان والدي مصابا بالسكري فهذا لا يعني أني سأصاب به، فقد أعيش نمط حياة صحي بما فيه من تغذية سليمة، وممارسة الرياضة، ونمط حياتي هذا يمنع -بإذن الله تعالى- من الإصابة بالسكر.
كل ما ذكرته لك عن تأثير الوراثة وأنها عوامل متعددة ليست لازمة، ينطبق على الفصام، وعلى الوسواس القهري، وغيرهما من الأمراض النفسية، وكما يقال: إذا كانت مشكلتك لها حل، فالقلق لا مبرر له، وإذا كان ليس لها حل فالقلق لن يحلها.
طبعا كلنا في وراثتنا الجينية عبر الأجيال مهيأون وراثيا للإصابة بكل الأمراض، ولكن -ولله الحمد- فقط عدد قليل قد يصاب بأحد الأمراض.
فإذا -يا أخي الكريم عابد- توكل على الله، وحاول أن تخفف قدر الإمكان من هذا القلق، فغالبا -بعون الله تعالى- ستعيش حياتك وإخوتك وأبناؤكم حياة سليمة بإذن الله تعالى، طالما أنتم تحاولون رعاية أنفسكم، والعيش بشكل صحي سليم، مما يمنع الإصابة بالمرض، وإن كنا مهيأين وراثيا بالإصابة.
أدعو الله تعالى لك براحة البال، وأن يمتعك بهذه الحياة بالشكل الذي تحب، وأن يهدينا وإياك إلى حسن الفكر والقول والعمل.