السؤال
السلام عليكم.
لدي صديق أعرفه، والده لا أدري كيف يتصرف، يقول لي: إن أباه يتكلم معه بشكل عادي وطبيعي وباحترام أمام ابنه، ولكن يلاحظ على أبيه عدة مرات يبقى جالسا مع نفسه في مكان سواء في الغرفة، أو أي مكان يدعو الأب عليه بأقبح الأدعية مثل: المرض والسوء، والذل، فصديقي تعجب، وذهل ذهلا شديدا من الذي سمعه؛ لأنه لم يضايق أباه بشيء ليقول له هذه الألفاظ، وأبوه يتكلم أمامه بشكل طبيعي، فقلت له: تأكد فمن الممكن أنه يقصد شخصا آخر، فأغلب حسن الظن، فقال صديقي: إنه على هذه الحالة منذ أكثر من 3 أشهر، وهو بدأ بسماع والده يتكلم ويدعو عليه في الخفاء جهرا، وقال لي: مثلا في إحدى المرات ذهب إلى المطبخ، وكان أبوه في المطبخ أيضا شرب كأس ماء وسرعان ما انتهى من الماء، قال له أبوه بالصحة والعافية، ولكن سرعان ما خرج الابن من المطبخ قام بالوقوف بجانب باب المطبخ من دون أن يراه الأب فسمعه يقول: بالسم والمرض هذا الماء.
وأيضا صعق الابن مرة أخرى، وكل يوم هذه الشيء عند والده يدعو عليه من بين كل إخوانه، ولديه 4 إخوان، ولكن لا أدري لماذا هو بالذات يفعل معه هكذا، مع أنه لا يعصيه بتاتا، وقال صديقي: لا أتجرأ أن أفتح معه الموضوع؛ لأنه بكل تأكيد سينكر الأمر، وظن أن أباه عنده شيء من هذه الأشياء: إما مريض نفسي، أو حاقد على ابنه؛ لأن الشيء الذي يحدث غير طبيعي، طبعا الأب دائم الدعاء على ابنه بلا فعل أو سبب، طبعا جهرا وليس علنا، ويلاحظ صديقي عندما يسمعه أنه يبدو من نبرة صوته وهو يتكلم أنه غاضب وحاقد وبصوت خفيف، ولكن لم يتجرأ لغاية الآن أن يفاتحه.
وهو الآن نفسيته سيئة من أفعال والده القبيحة، ويخشى المرض والسوء من الدعاء هذا، وكان يقول لأمه أن أباه يفعل كذا وكذا، وأمه تقول اتركه وقل لا حول ولا قوة إلا بالله، ربما به مرض نفسي فقال: لأمه لماذا اختارني أنا من بين كل الناس أو إخواني ليدعو علي، والله إن كنت قد ضايقته بشر أزعل، ولكن بلا سبب هذه القصة، وآسف على الإطالة وأرجو أن تفهموني فهل هو حقد، أم مرض نفسي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ Ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يهدي الوالد لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يؤلف القلوب، وأن يغفر الزلات والذنوب.
إذا كان والد صديقك -كما ذكرت- يعامله في الظاهر بالخير ويدعو له بالخير، ثم إذا ابتعد عنه دعا عليه بالشر، نطمئنك أولا أن الله سبحانه وتعالى عدل، ولن يظلم بهذا الدعاء، ولن يترتب عليه شيء من الناحية الشرعية، نسأل الله أن يحفظه، وأن يلهمه السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
ثانيا: أرجو أن يميل إلى رأي الوالدة، فلا يقف طويلا أمام هذا الموضوع، ولا يعطيه فرصة حتى لا يؤثر عليه، فإن الوالد - أو غير الوالد - إذا دعا على ابنه أو غيره بغير ذنب، من غير جرم ارتكبه، من غير سبب أظهره، فإن هذا الدعاء لا يضر الإنسان أبدا، لأن الله تبارك وتعالى عدل رحيم.
فليستمر في بر والده، وأسأل الله تعالى له الشفاء والعافية، وطبعا مسألة هل هو مريض هل هو كذا؟ هذه أمور قد يكون من الصعوبة أن تطرح من ناحيته، ولكن إذا كانت والدته أو أعمامه أو غيرهم لاحظوا مثل هذه الأشياء متكررة مع صديقك ومع غيره، ولاحظوا عليه بعض الأشياء، فلا مانع أولا من طلب الرقية الشرعية، وطلب مقابلة الطبيب إذا كان ذلك ممكنا، إلا إذا كان هذا الأمر يخرج بالطريقة المذكورة فهو أخرج السر بطريقة لا يسمعها إلا هو، وهو أيضا لم يستمع إليه إلا بعد تركيز وترصد، وهذا ما لا نريده منه.
أرجو أن يمضي وتمضي الأمور على ظاهرها، وهذا الدعاء الجميع الذي يسمعه، هذا التعامل الطبيعي بينه وبين والده، يجب أن يجتهد في مراجعة بره له، وأرجو أن أقول: في بعض الأحيان قربه الزائد من الوالدة واهتمام الوالدة الزائد به ربما يولد غيرة عند بعض الآباء على الابن التي تميل إليه الأم وتفضله على الآخرين، فربما يكون هناك شيء من هذا.
ولكن على كل حال: عليه أن يبر والده، وعليه أن يبر الوالدة، ونتمنى ألا يعيد طرح الوضوع على الوالدة أيضا، حتى لا يكون في نفسها شيء، ولكن ينبغي أن يعالج هذا الموضوع بحكمة، وأول ما نطالبه به الدعاء للوالد، ثم التطنيش والتجاهل والتغافل لما يحدث من أشياء سالبة، وحق له أن يفرح بالأشياء الظاهرة، وعليها سيكون البناء، وما يحدث بعد ذلك أمر بين الوالد وبين نفسه، ولن يضره كثيرا، طالما كان الوالد يخفيه.
ولا نؤيد فكرة التحقيق والسؤال، و(أنت تفعل كذا)، لأنا لا نريد أن يكون والده في موضع المتهم ويحاصره ويجادله، وهذا لأنه قد يزيد الأمور سوءا، ولكن أرجو أن يصبر ويحتسب.
ونبشرك بأن الإنسان إذا قام بما عليه تجاه الوالد وتجاه الوالده، وكان بعد ذلك في غضب أو عدم رضا من الوالد أو الوالدة فإن ذلك لا يضر الإنسان طالما أدى ما عليه من الناحية الشرعية، لأن البر العبادة لرب البرية، قال ربنا بعد آيات البر: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}، فهو تدخل في الآية لأن الآية في من قام بما عليه وشعر بأن هناك ظلم له أو تقصير في حقه، هذا أجره كامل عند الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يعجل بشفاء والده، وأن يلهمهم السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.