السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 22 سنة، طالبة جامعية أعيش بين أمي وأبي، علما أنهم غير منفصلين، ولكن بينهم مشاكل منذ طفولتنا.
لدي 4 أخوات وأنا الخامسة، أبي دائما يخبر أعمامي وأمي بأنه يكرهني، ويعتقد أنني من تقود أخواتها، وأي خطأ حتى ولو كان بسيطا من أي واحدة؛ يتهمني بأنني السبب، وأني من وجهتها لفعله! يكره شخصيتي ومشيتي وطريقة كلامي، علما أنه لا يفرق بيننا ماديا، ولكن يكره شخصيتي، فدراستي وجامعتي في بلد آخر مع أمي، وأنا لا أذهب إليه إلا في الإجازات القصيرة، ما بين أسبوع إلى أسبوعين.
يصعب علي مصادقة أبي وجعله قريبا مني، ولكن أريد أن أكسب رضاه، وأبره ولا أعلم كيف، هل يمكن أن أبره عن بعد؟ يعني بالدعاء فقط، وتكون علاقتي معه رسمية؛ لأنني أحس بالراحة وأنا بعيدة عنه، فأنا أحاول أن أكسب بر أمي ورضاها فقط، فهل هذا سيدخلني الجنة، أم يجب أن يكون الاثنان راضيين عني تمام الرضا؟ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رضا الله في رضا الوالدين)، وأيضا تأمين الرسول -صلى الله عليه وسلم- على دعاء جبريل -عليه السلام-: (ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين).
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرجو أن تدركي أن صبرك على الوالد وإحسانك إليه، وتواصلك معه مما تؤجرين عليه، ونتمنى أن تفعلي من الأعمال ما يجعل الوالد يبدل هذه القناعات، واعلمي أنك مطالبة بطاعته سواء بدل قناعاته أم لم يبدلها؛ لأنه يظل الوالد مهما كان منه من تقصير فإن حقه البر، واعلمي أن البر عبادة لله تبارك وتعالى، والذي يقوم بها يجازى عند الله، والذي يقصر يحاسبه الله، سواء كان بالنسبة لك أو بالنسبة للأب، فقومي بما عليك كاملا.
واحرصي على كل ما يدخل السرور على الوالد، وإظهار البر له، والاحتفاء به، والاهتمام بكلامه، وأيضا الإنصاف له؛ فأنت تقولين لا يفرق بيني وبينهم ماديا بمعنى أنه يقوم بواجباته المالية تجاهك كاملة، وهذه الوساوس التي عنده والظنون ربما يكون هناك أطراف هي التي تنقل له هذه الصورة، اجتهدي في أن لا تذكري والدك إلا بالخير، واجتهدي في بر الوالدة، الوالدة تحتاج إلى بر مضاعف وكذلك الوالد يحتاج إلى بر، وما يحصل بين الوالد والوالدة من خصام، لا يبرر للأبناء التقصير في حق هذا أو في حق ذاك، وهذا ما ينبغي أن تستمري عليه.
وشكرا على هذا السؤال الذي يدل على رغبة في الخير، فاحرصي وابذلي ما عليك، واجتهدي في الدعاء للوالد والتواصل مع الوالد، والسؤال عن الوالد في إظهار المشاعر النبيلة تجاهه، ولا يضرك ما يحصل من الوالد بعد ذلك، طالما قمت بما عليك.
فالإنسان إذا قام بما عليه في البر والأب لم يرض أو الأم لم ترض، فإنه عند الله تبارك وتعالى يكتب من البررة، ويصدق فيه قول الله في بعض آيات البر: (ربكم أعلم بما في نفوسكم)، من الحب والإخلاص والبر، (إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا)، قال العلماء: هذه في حق من تقوم أو يقوم بما عليه تجاه الوالد أو الوالدة، ولا يرضى الوالد أو لا ترضى الوالدة لا شيء عليه؛ لأن البر عبادة لرب البرية سبحانه وتعالى.
فنسأل الله أن يعينك على الاستمرار في البر والإحسان، والمبالغة في إكرام الوالد وملاطفته بالكلام، وإذا وجدت فرصة لنفي التهم فلا مانع من أن تبرئي نفسك، ونسأل الله أن تجدي من الأعمام والعمات، من يستطيع أن ينقل الصورة الجميلة عنك التي تحملينها تجاه الوالد، والوالد يشكر أنه لم يقصر معك ماديا، ولم يفرق بينك وبين أخواتك، رغم أنه يظن هذه الظنون، التي بلا شك نحن لا نرضاها ولا نقبلها، لكن في نفس الوقت لا نقبل أن تعاملي الوالد كأنه زميلة أو كأنه كذا، يظل الوالد والدا وإن قصر، وتظل الوالدة والدة وإن قصرت.
ونسأل الله أن يعينك على الخير.