السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أخشى الله وأحبه، وأخاف من عقابه أو عدم رضاه عني، ولأرضيه علي أن أرضي والدي، ولكن أمي لا ترضى مهما فعلت من أجلها في علاقتنا أرى أنني أبذل جهدا أكبر مما أستطيع تحمله، لكنها ترى أنني لا أبذل أي مجهود بتاتا.
أمي امرأة في الخمسينات من العمر لطالما كانت عندي مشاكل معها، ولطالما اختلفت وتضاربت أفكارنا وآراءنا فهي بعد أن تقاعدت، بل ومنذ طفولتها سخرت نفسها لأعمال المنزل! إنها وبطريقة غريبة تمضي يومها في التنظيف والغسيل والترتيب، ولكن لا يترتب البيت أبدا؛ لأنها وببساطة تتعب خصوصا في هذا العمر وتبدأ بالصراخ، وإلقاء اللوم على الجميع خصوصا أنا؛ لعدم مد يد العون لها، رغم أننا نفعل! لكننا يا سيدي، مشغولون كذلك أنا في سنتي الجامعية الأولى، أدرس الطب البشري وهو تخصص صعب، ولا أملك الوقت لفعل أي شيء ما عدا الدراسة، لكنني رغم ذلك أهملت دراستي وتكاسلت لأساعدها خصوصا في شهر رمضان؛ حيث توليت كل واجباتها من طبخ وتنظيف دون من، لكن وبمجرد انقضاء الشهر الفضيل اضطررت للغياب عن المنزل منذ الصباح حتى المساء في الجامعة للدراسة للامتحانات! وكذلك أخواتي وتمنينا لو تتفهم أمنا الوضع، وترضى بالعون القليل الذي نقدمه حتى حلول ذلك الوقت، لكنها أصبحت أكثر غضبا وعدائية، وأنكرت كل ما فعلته لذا انفجرت غضبا.
أنا أحبها وأحترمها، لكنني لا أطيق معها صبرا، فما عساي أفعل لأرضيها، أنا أصر أن هذه واجباتها، ولست ملزمة بفعلها، بل مساعدتها قدر المستطاع، ولن أتكاسل، لكنها تطلب الكثير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك بنتنا الفاضلة ونشكر لك هذه الرغبة في الخير، ونسأل الله أن يكتب لك التوفيق والنجاح والفلاح.
لا يخفى عليك أن بر الوالدة من أعظم الأمور بعد رضا الله ربنا الغفور، نسأل الله أن يعينكم على الصبر على هذه الوالدة في هذه السنة، وعلى معاونتها بما يمكن وبما تستطيعون، ونحب أن ننبه إلى أمر عظيم، وهي ضرورة أن تبذلوا ما تستطيعون، لكن الأهم من ذلك أن تكفوا ألسنتكم، وأن لا تقابلوا إساءتها بالإساءة، وأن لا تتطاولوا عليها بالكلام؛ لأنها تظل والدة، ونحن نقدر الصعوبات التي تحدث، ولكن كل ذلك يعذر عليه الإنسان إذا قام بما يستطيعه، فإن ربنا العظيم هو القائل (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، لكننا نؤكد ونشدد على ضرورة تجنب الألفاظ الجارحة، وتجنب الامتناع المباشر عن المساعدة، بل استبدال ذلك بالملاطفة وحسن الاعتذار وتحمل ما يحصل من الوالدة، وما تتكلم به من كلام، ولذلك هذا هو الأمر المهم، فإن من البر أن نحسن الاستماع للوالد أو الوالدة ونصبر عليهم.
وقدوتنا الأنبياء، في أصعب الأحوال كان الخليل يقول لأبيه الذي يحاربه، بل يحارب الله، بل سادنا للأصنام كان يقول: (يا أبت، يا أبت، يا أبت)، فاللطف مطلوب، والتحمل مطلوب، وفعل ما تستطيعين أيضا مطلوب، أنت وأخواتك، مع ضرورة أن تعينوها وتشكروها وتسمعوها الكلام الجميل، ونتمنى أيضا أن تضعي وأخواتك جدولا لمساعدتها حتى يترتب هذا العمل، قولي أنا سأساعدكم في يوم العطلة، وأختي فلانه يوم كذا وكذا، أختي فلانه يوم كذا وكذا، رتبوا فيما بينكم جدولا واحرصوا على أن ترتاح الوالدة، واحتملوا ما يصدر منها، ونسأل الله أن يعينكم على الخير.
ونتمنى أن يكون للأب وللخالات وللعمات ولمن تعزهم الوالدة وتستمع لكلامهم دورا كبيرا في التخفيف عنكم وعنها، بضرورة أن لا تعطي هذه الأمور أكبر من حجمها، وأن تعطي بناتها فرصة وأبناءها فرصة للدراسة وللنجاح في الامتحانات وفي حياتهم، أكرر مرة أخرى من حقك أن تتعبي وتتعذري وتتلطفي معها لكن ليس من حقك أن تصرخي، ليس من حقك أن ترفعي الصوت، ليس من حقك أن تمتنعي مباشرة أو تظهري الألفاظ التي لا تدل على البر، ونؤكد مرة أخرى أن الصبر على الوالدة من أوسع أبواب البر، وإذا لم يصبر الواحد منا على أمه فعلى من سيكون الصبر، نسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يكتب لك النجاح، ونتمنى أيضا أن تجتهدي في دراستك؛ لأن الوالدة هي أول من سيستفيد ويفرح بنجاحاتك في الحياة، ونسأل الله أن يعينكم على الخير، لقد سعدنا بما قمت به من عمل في رمضان، فهو أحوج الشهور إلى المساعدة، تكون فيها الوالدة أحوج إلى المساعدة، ونسأل الله أن يعينكم على الخير، ونتمنى أيضا أن تتفهموا العمر الذي فيه الوالدة، الحال الذي وصلت إليه، الحال الذي يحدث للإنسان بعد أن ينزل الخدمة المعاشية، فإن عنده طاقة يحاول أن يستنفذها في مثل هذه الأعمال.
نسأل الله أن يعينها ويعينكم وأن يرزقكم برها، ونؤكد أن البر طاعة لرب البرية، فإذا أدى الإنسان ما عليه فقد أطاع الله، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.