السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية أود أن أشكركم على معاملتكم الرائعة، وعلى ردودكم الجميلة على الناس، جعلها الله في ميزان حسناتكم.
أنا شاب طالب جامعي أعيش في ألمانيا، مدخن سابق، أعاني من القلق والتفكير الزائد والمستمر، حيث إنني على هذه الحالة أكثر من أربع سنوات من نوبات ذعر وأفكار وسواسية، -والحمد لله-.
أستطيع القول بأنني تغلبت على أكثر من 40 بالمئة من هذه الأمور -بفضل الله-، ومن ثم قراءة ردودكم، ومشاهدة مشاكل أشخاص آخرين هنا على هذا الموقع، ولكنني دائم التفكير في مسألة الموت، وهذا الأمر يشغل تفكيري ليل نهار، ولا أستطيع إيقافه.
حاولت بشتى الطرق، ولكنني كنت دائم الفشل، ومثال على ذلك: منذ خمسة أشهر تركت التدخين، وبدأت أشعر ببلغم يتراكم في حنجرتي، جربت جميع الطرق لإخراجه دون جدوى.
سألت العديد من الناس: هل يمكن أن يتسبب البلغم في اختناق الشخص وموته؟ وكان الرد من الجميع (بسخرية بعض الشيء): "بالطبع لا".
أعرف أن سؤالي سخيف، لكنني أريد جوابا علميا، أو على الأقل جوابا يقنعني أن هذا الشيء لا يمكن أن يحدث، صدقا أنا في حالة يرثى لها، بالإضافة إلى أنني لا أرغب بتناول أي نوع من الأدوية النفسية.
أفيدوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في موقع استشارات إسلام ويب، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
أخي: القلق وزيادة التفكير من الأعراض الشائعة، والقلق المعقول نعتبره قلقا إيجابيا، لأنه هو الذي يؤدي إلى بواعث الدافعية الإيجابية، والأمل والرجاء عند الإنسان، لكن القلق إذا لم نوظفه توظيفا صحيحا ليكون قلقا إنتاجيا فإنه يتراكم ويحتقن، وهذا قطعا يؤدي إلى كثير من التوترات والمشاعر السلبية، وربما الشعور بعسر المزاج.
فيا -أخي الكريم-: أنت حقيقة مطالب بأن تسعى وبجدية لتوظيف القلق، لتحوله إلى قلق إيجابي، وطبعا الخوف رديف القلق، وكثيرا ما يرتبطان ببعضهما البعض، وكذلك الوساوس، الوساوس الخفيفة على وجه الخصوص، كثيرا ما تكون أيضا موجودة.
أخي الكريم: -مع احترامي وتقديري لشخصك الكريم- سؤالك: هل من الممكن أن يسبب البلغم الاختناق ويؤدي إلى الموت؟ طبعا هذا تفكير تشاؤمي، قلقي وسواسي، مع وجود المخاوف في ذات الوقت؛ لأنه لا يعقل أبدا أن يموت الإنسان بهذه الكيفية، الإنسان يمكن أن يموت دون أي سبب؛ لأنه في الأصل أن الموت بيد الله والأعمار بيد الله، والإنسان لا يحدد لا يوم ولادته ولا يوم أو ساعة موته، أو في أي البلاد سيكون موته، {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت}.
أخي الفاضل: الخوف من الموت يجب أن يكون خوفا شرعيا وليس خوفا مرضيا، والذي ينتقل إلى الخوف الشرعي يزول عنه الخوف المرضي، الخوف الشرعي يتطلب أن نؤمن بحقيقة الموت، وأنها حقيقة أبدية، وأن نستحضر قوله تعالى: {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر}، وقوله: {كل نفس ذائقة الموت}، وقوله: {كل من عليها فان ويبق وجه ربك ذو الجلال والإكرام}، وقوله: {كل شيء هالك إلا وجه}، وقوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}، {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم}، وقوله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}.
إذا هذه حقيقة وينبغي أن نستحضرها دائما، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (أكثروا من ذكر هادم اللذات) يعني: الموت.
الحقيقة الثانية هي: أن أسعى لأن أكون إنسانا إيجابيا في حياتي، إنسانا مفيدا لنفسي ولغيري، وأن ألتزم بالأفعال الإيجابية، وأن أكون مستقيما وأن أعمل الصالحات، وأن أكون في جانب السلامة من حيث التعبد والالتزام الديني المطلوب، خاصة فيما يتعلق بأداء الصلوات.
ويا -أخي الكريم-: الأذكار -خاصة أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم والاستيقاظ وغيرها من الأذكار الموظفة في اليوم والليلة- ذات فائدة عظيمة جدا لإزالة هذا النوع من الخوف، وجدت أن أحد الأذكار حقيقة يريح النفس كثيرا، وهو: (اللهم إني أسألك عيشة هنية، وميتة سوية، ومردا غير مخز ولا فاضح)، ما أجملها -يا أخي- من كلمات ومعان سامية، إذا تأمل فيها الإنسان ورددها كثيرا لن يخاف أبدا.
والعبد من خلال حسن العمل والتفكير يكون قطعا مستعدا للقاء ربه، وإذا استعد العبد للقاء ربه استعد الله تعالى للقائه، ومن وسائل الاستعداد للقاء الله هو عمل الصالحات، وأن يكون الإنسان إيجابيا في حياته، إنسانا منتجا، إنسانا مفيدا، إنسانا يحسن إدارة وقته، إنسانا لديه مناهج وأهداف في الحياة، {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}، {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنت توعدون}.
هذه هي الأمور التي تخلصك من هذا النوع من الخوف، وأيضا يجب أن تشغل نفسك بما هو مفيد، وأن تتطور مهنيا، ومن المهم جدا أن تعيش الحياة الصحية التي تتطلب: تغذية صحية متوازنة، ونوما بالليل مبكرا، وممارسة رياضة، وممارسة تمارين استرخائية، هذه كلها تفيد الإنسان كثيرا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.