السؤال
السلام عليكم.
عمري 19 سنة، منذ 4 أو 5 سنوات وأنا أعاني من الرهاب الاجتماعي، وكل سنة يزداد، والأعراض هي رجفة ورعشة كبيرة في كامل الجسم والأطراف، وصعوبة الوقوف والنظر وبلع الريق، ونقص الثقة، والخوف الشديد، وعدم الجرأة، وصعوبة التحدث، ورجفة الصوت والفم والوجه بشكل كبير، والعزلة والانطواء، والخجل الشديد، والاحمرار، وخفقان القلب، والارتباك الشديد، والحزن الدائم، والكرب، وفقدان شهية الأكل في المنزل، والكسل الشديد، والنوم الكثير، ولوم النفس، والغيرة ممن هم في نفس عمري، الذين يعيشون بفرح وسرور.
لقد عانيت منذ الصف الرابع حتى الصف الثامن في مدرستي القديمة من التنمر، والسخرية من كل شيء أفعله، حتى لبس الجاكيت وقت البرد، وكانوا من الحارة.
بعدها انتقلت إلى مدرسة أخرى وتغيرت حياتي للأفضل من خلال الطلاب، لكن بدأت أعراض الرهاب، كنت سابقا أحب أن أخرج كثيرا، وأحب الذهاب إلى المناسبات مع والدي، والذهاب إلى المحلات التجارية، لكن الآن أصبحت في عزلة، وأشعر بالارتباك في كل موقف مع جميع الناس الصغار والكبار، لا أحب الخروج إلا للضرورة.
أصبحت أعاني من النسيان والتشتت، أصبت بألم في بطني، وأصبت بحزن شديد مما تسبب في تدني درجاتي في السنة الأخيرة في المدرسة وفي الجامعة، تأثرت كثيرا بعدم القدرة على الكلام، وتشتت التركيز، وتوسع حدقة العين، وعائلتي دائمة الشجار بسبب تجنبي للمناسبات.
ذهبت للطبيب النفسي، وتناولت الاندرال 10 حبة صباحا ومساء، ثم حبتين صباحا ومساء، وحاليا عند الضرورة، وصرت أذهب للجامعة بصعوبة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء.
لقد وصفت حالتك بصورة واضحة ودقيقة، وبالفعل أنت لديك أعراض درجة متوسطة مما يسمى بالرهاب الاجتماعي، والرهاب الاجتماعي ليس قلة في الإيمان أو ضعف في الشخصية، إنما هو خوف مكتسب، وربما تكون ما تعرضت له في مرحلة الطفولة الأولى والطفولة المتأخرة من تنمر وخلافه، هو الذي بنى أو كون لديك مكون القلق، ثم بعد ذلك أتى مكون المخاوف.
حالتك ليست حالة مطبقة أو ليست حالة شديدة، كل الذي تحتاجه -أيها الفاضل الكريم- أن تجلس جلسة مع نفسك، جلسة فكرية شاملة تتأمل في مقدراتك، وسوف تجد أنها مقدرات كبيرة جدا، موضوع الماضي قد انتهى تماما، لا نقول للناس انسوا الماضي، لأن ذلك مستحيل، لكن نقول للناس يجب أن تعرفوا أن الماضي أضعف من الحاضر، الحاضر هو الأهم، الحاضر نستطيع أن نتحكم فيه، ومن خلال الحاضر نستطيع أن نؤدي إلى كثير من التغيرات، الله تعالى يقول: (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وهذا من منطلق أن الله تعالى قد وهبنا الطاقات والمقدرات والمهارات والمعارف المختلفة، والتي يجب أن نستفيد منها، وتكريم الإنسان أتى من هذه الزاوية، زاوية التميز على الحيوان وغيره من مخلوقات الله تعالى.
فيا أيها الفاضل الكريم: أريدك أن تستفيد مما يعرف بقوة الآن، يوجد كتاب ممتاز كتبه (إكهارت تول) اسمه (قوة الآن) وهو كتيب وليس كتابا كبيرا، يا حبذا لو حصلت عليه من أحد المكتبات وقرأته، كتاب جميل جدا، وخلاصة الأمر أنني لا أريدك أبدا أن ترجع بفكرك إلى الفكر السلبي، الحديث عن التنمر، السخرية وخلافه، هذا قد انتهى تماما، لكن أنت الآن مستوعب وأنت الآن مدرك، وأنت إنسان في مراحل الرجولة -بفضل الله تعالى-، فافتح لنفسك صفحة مشرقة جديدة، وعليك بأن تحرص على التواصل الاجتماعي، وأفضل أنواع التواصل الاجتماعي هو التواصل الاجتماعي الذي يقوم على الحرص على القيام بالواجبات الاجتماعية، أن تتفقد أرحامك، أن تصل جارك، أن تشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، أن تزور المرضى، هذه -يا أخي- عظيمة جدا، وتعود عليك بنفع كبير وكبير جدا، وعليك بالصلاة مع الجماعة، فيها خير كثير جدا، فهي تمثل اختراق حقيقي للرهاب الاجتماعي، لأن المسجد هو مكان الأمان والاطمئنان، وهذه الجماعات تحفها الملائكة، ولا شك في ذلك، والإنسان يلتقي بالصالحين من الناس، فأرجو أن تطور هذا المفهوم الفكري، مفهوم أن الصلاة مع الجماعة فيها خير كثير للإنسان، خيري الدنيا والآخرة، وهي حقيقة تطور البناء النفسي عند الإنسان.
لا بد أيضا من رياضة جماعية، و-ما شاء الله أخي أحمد- أنت في بدايات سن الشباب، ويا حبذا لو انخرطت في أي برنامج رياضي جماعي، كرة القدم، الجري، كرة السلة، السباحة أي نوع من الرياضة، فالرياضة تقوي النفوس قبل الأجسام، وحقر فكرة الخوف، وأنا أؤكد لك أنك لست بأقل من الآخرين في أي شيء، وأن ما تشعر به من زيادة في وظائفك الفسيولوجية، مثل تسارع ضربات القلب أو الشعور بالتعرق أو حتى الشعور بالدوخة كما يحصل لبعض الناس عند المواجهات، هذا شعور معظمه كاذب، ولن يحدث لك أي شيء، ولن تفقد السيطرة أبدا، أيضا يجب أن تتمرن على تمارين الاسترخاء، نحن نشير لذلك كثيرا، لأن هذه التمارين عظيمة ومفيدة، يمكن أن ترجع إلى أحد المواقع على الإنترنت، وتمارس هذه التمارين.
أبشرك أنه يوجد دواء ممتاز جدا يسمى الاستالبرام، وهذا هو اسمه العلمي، ويسمى تجاريا بالسيبرالكس، وربما تجده تحت مسميات تجارية أخرى، هذا الدواء يتميز بأنه سليم وأنه فاعل يحسن المزاج بصورة واضحة جدا، كما أنه من الأدوية التي نستعملها كثيرا لعلاج المخاوف القلقية والوساوس، طبعا تناول الجرعة بدقة وانضباط والتزام، هذا يأتي بنتائج علاجية رائعة جدا، جرعة السيبرالكس تبدأ بنصف حبة، أي 5 مليجرامات من الحبة التي تحتوي على 10 مليجرامات، تتناولها لمدة 10 أيام، ثم تجعل الجرعة 10 مليجرامات يوميا لمدة شهر، ثم اجعلها 20 مليجرام يوميا لمدة شهرين، ثم 10 مليجرامات يوميا لمدة شهرين آخرين، ثم 5 مليجرامات يوميا لمدة أسبوعين، ثم 5 مليجرامات يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقف عن تناول الدواء.
أما الدواء الذي ذكرت أنك تتناوله، وهو الاندرال، والذي يسمى علميا البروبرننول، هذا الدواء مفيد جدا في أنه يعالج الآثار أو الأعراض الجسدية المتعلقة بالقلق والمخاوف، لكنه لا يقتلع الحالة من جذورها، فهو دواء تسكيني أو دواء يتحكم في الأعراض لكن بصورة وقتية، أما الستالبرام فهو دواء ناجع، ودواء يعالج الحالة بذاتها خاصة إذا مزجته بالعلاجات السلوكية والاجتماعية والإسلامية السابقة التي تحدثنا عنها، الاندرال ينتمي لمجموعة من الأدوية تسمى كوابح البيتا، ويتميز بأنه بالفعل يتحكم في إفراز مادة الادرينالين التي تؤدي إلى تسارع في ضربات القلب، أو الرعشة، حين تفرز بكميات كبيرة.
إذا الاندرال هذا سوف يكون الدواء الداعم، أما السيبرالكس سيكون العلاج الدوائي الأصيل، الاندرال يفضل تتناوله بجرعة 10 مليجرامات صباحا ومساء لمدة شهر، وبهذه الكيفية تكون قد بنيت قاعدة علاجية صحيحة، ثم تجعل الجرعة 10 مليجرامات يوميا في الصباح لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عنه، ثم بعد ذلك يمكنك أن تستعمله عند اللزوم.
وإن طبقت ما ذكرته لك من إرشادات النفسية والسلوكية، وتناولت الاستالبرام بالصورة الصحيحة الموصوفة، ربما لا تحتاج للاندرال أصلا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.