السؤال
السلام عليكم.
كنت مع أصدقائي في غرفة محادثة صوتية على الإنترنت، واشتد الحديث بيني وبين أحدهم، وأخذ يتمادى في سبي دون أن أرد، حتى وصل إلى سب أمي، حينها أخبرتهم أني لن أجلس معه في مكان واحد أبدا، وأغلقت الميكروفون خاصتي، حتى أهدأ ويبرد غضبي، ولا أقع في معصية أو أرد له سب الأهل. ولكن للأسف وجدت إنه لم يقم أي من أصدقائي الآخرين حتى بعتابه أو ذكر ما حدث، بل أخذوا يلعبون وكأنه لم يحدث شيء.
أما ذاك الذي سب أمي فقد قطعت علاقتي به تماما، ولا أجد في نفسي ما يجعلني أسامحه، بل أدعو الله كثيرا أن ينتقم منه، لما شعرت به في تلك اللحظة من عجز عن رد الإساءة حتى لا أقع في معصية.
لكن بالنسبة لباقي أصدقائي، فقد خاب ظني فيهم كثيرا، وأود لو أستطيع قطع علاقتي بهم كما فعلت معه، ولكن هم أكثر أصدقائي، وأخاف أن أصبح وحيدا، ثم أندم على هذا القرار، هل يكفي أن أعاتبهم على ما فعلوا، أم أكتفي بكتم الأمر في نفسي؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.
لا شك أن الصاحب والصديق من ضرورات الحياة التي لا يستطيع الإنسان الانفكاك منها، ولأجل ذلك حرص الإسلام على تخير الصحبة الصالحة ابتداء، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل أي ليتأمل كل واحد منكم من يصاحب فإن ارتضى دينه وخلقه فهذا هو المبتغى، وإن كانت الأخرى لم يعول عليه، ولم يتخذه صاحبا ورفيقا وسندا له في الحياة.
وقد كان الصالحون يتخيرون أصحابهم كما نتخير نحن أطايب الطعام، ذلك أن الأخلاق تعدي، وصحبة السوء تغوي. وقد كان بعضهم يختبر صاحبه قبل أن يعتمده صاحبا وصديقا
ومن جميل ما نظم:
ابل الرجال إذا أردت إخاءهم *** وتوسمن أمورهم وتفقد
فإذا ظفرت بذي الأمانة والتقى *** فبه اليدين قرير عين فاشدد
وقال غيره:
عاشر أخا الدين كي تحظى بصحبته *** فالطبع مكتسب من كل مصحوب
كالريح آخذة مما تمر به *** نتنى من النتن أو طيبا من الطيب
وذلك أن الذين تتعرف عليهم كثر، لكن ليس كلهم يستحق أن يعاشر ويصاحب، وقد صدق أبو حاتم حين قال: "ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم، كما أن من يدخل مداخل السوء يتهم".
فاحذر -أخي- مصاحبة أهل السوء واعتبر بقول الخطاب بن المعلى حين وعظ لده فقال له : "إياك وإخوان السوء؛ فإنهم يخونون من رافقهم، ويحزنون من صادقهم، وقربهم أعدى من الجرب، ورفضهم من استكمال الأدب".
وخير منه كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة.
ثانيا: أما ما حدث من أصحابك فلا ننصحك بفتح الموضوع أصلا معهم، دع ما حدث بلا ذكر حتى ينسى، فإن الحديث فيه يحييه وربما يتطاول غيره أو يكون ما حدث بينك وبين هذا الشاب على الألسنة، ولذلك ننصحك بغلق الحديث عنه، ومع ذلك التمس لهم العذر، فربما بعضهم أراد ألا يكبر الأمر بتدخله، أو أحدهم خاف أن يناله من صاحب اللسان السليط نصيبا، وربما بعضهم لم ينتبه، فالتمس لهم العذر جميعا، ثم تخير أفضلهم واتخذه صاحبا وصديقا، فإذا لم تجد فاتخذ أهل المساجد -أخي الكريم-، فستجد ضالتك عندهم.
نسأل الله أن يحفظك وأن يبارك فيك وأن يتقبلك في الصالحين، والله الموفق.