السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ طفولتي وأنا أعاني من المشاكل النفسية، وعلاقاتي بالله تتصف بالفتور، في بعض الأحيان أنتظم في العبادة وأحيان أخرى أفرط بها.
لا أعرف السبب، وكدت أجن، ومنذ فترة بسيطة اضطررت بسبب الظروف للجلوس بمفردي، فكرت كثيرا عن أسباب مشكلتي، وعلمت بأنها مرتبطة بالقدر!
مثال على ذلك: تعرضت للتحرش الجنسي في الطفولة، وعندما كبرت كان لدى ميول انعزالية، واكتشفت بأن أقرب وصف لحالتي هو اضطراب الشخصية الاجتماعية.
أصبحت متأخرا في كل أمور حياتي، حتى أنني لم أتزوج إلى الآن، ولا أمل في ذلك، المشكلة أنني بمجرد تفكيري وربط الأمور ببعضها اكتشفت أن الأقدار هي السبب في حالتي التي وصلت إليها، وأننا سيناريو رباني مثله مثل ضعف حال الأمة اليوم، كما أخبرنا عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وغيره من الأمور.
أفكر لماذا اختار الله لي هذا الطريق؟ طريق يقودني إلى الهاوية، لماذا كتب علي الفشل؟ أحاول تجاهل هذا التفكير، لكن المشكلة التي سيطرت على عقلي هل أنا كافر؟ لأن القدر هو سبب مشاكلي؟ خاصة وأنني ضعيف الإيمان ولا أقوم بالفروض المطلوبة.
أعرف العديد من الناس ولا يعانون مما أعانيه، فأنا أعيش في عزلة، ووحدة، ونبذ اجتماعي، وكلما أجبرتني الظروف إلى مقابلة ناس جدد استبشر خيرا وأذهب للخروج من عزلتي، ولكنني أتأذى نفسيا، وأعود للعزلة مرة أخرى.
عزلتي تدفعني للتفكير السلبي في الأقدار، فهل أنا كافر؟ لا يمكنني التخلص من هذه الأفكار مهما قرأت.
أصلي الصلوات كواجب ولا يوجد خشوع، حاولت الالتزام، كبرت وتناثرت أحلام الطفولة ولا شيء بيدي.
أفيدوني، وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا وأخانا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يملأ قلبك بالطمأنينة والأمن والأمان، لا يخفى عليك أن الكون ملكا لله ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، وأن المؤمن ينبغي أن يرضى بما قدر الله له، لأن الله لا يقدر إلا الخير، و(عجبا لأمر المؤمن إن أمره له كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)، ومن المهم جدا أن لا يقف الإنسان عند المواقف السالبة، ويعيد تردادها لأن ذلك من الشيطان، وهم الشيطان أن يحزن أهل الإيمان.
واعلم أن البكاء على اللبن المسكوب لا يعيده، فلذلك الرجوع إلى الماضي والوقوف عنه والدوران حوله هذا مما يفرح عدونا الشيطان، وأنت لست مسؤولا عن الذي حصل لك عند الصغر، وذاك أمر تجاوزته ولله الحمد، وحققت نجاحات والدليل هو هذه الكتابة للاستشارة المركزة، واحمد الله تبارك وتعالى الذي أعانك على الطاعات، فأنت تشير إلى أن علاقتك بالله تبارك وتعالى تتحسن في صلاتك وهذا التحسن دليل على أنك يمكن أن تمضي في هذا السبيل لتزداد خشوعا وتجد لذة العبادة والطاعة لله تبارك وتعالى.
بل نحن سعداء لأنك تواصل الطاعة لله تبارك وتعالى في كل الأحوال، لأنك بذلك تغيظ عدونا الشيطان الذي يريد أن يوصل بك إلى اليأس، ويوصلك إلى الأحباط، واعلم أن الناس كل الناس لهم نقائص وفيهم عيوب، لكن من المهم أن يبحث الإنسان عن نقاط القوة التي عنده، ليحمد الله تبارك وتعالى عليها، فيؤدي شكرها فينال بشكره لربه سبحانه وتعالى المزيد.
ولا تقارن نفسك مع الآخرين، فإنك لا تعرف ما الذي يحدث لهم، وهذه الدنيا لا تخلو من المشاكل جبلت على كدرا وأنت تريدها صفوا من الأكدار والأقذاء ومكلف الأيام فوق طباعها متطلبا في الماء جذوة نار، لكن من المهم أن تأخذ كل مشكلة حجمها المناسب.
حاول دائما أن تتعرف على الأخيار في بيئتهم في المساجد في بيوت الله تبارك وتعالى، واطرد الظن السيء الذي يأتي به الشيطان ليبعدك عن الناس الآخرين، واعلم أن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وابدأ في تحسين علاقتك بمن هم في محيطك، الوالدين، الإخوان الأشقاء، الأصدقاء زملاء الدراسة، الأرحام.
وأحرص دائما على أن تنظر النظرة الإيجابية، هذه الفكرة ما ينبغي أن تجعلها تتمادى، فبمجرد ما طرأت الفكرة ينبغي أن تطردها، تقطع هذا التواتر، وتعوذ بالله من الشيطان فأنت لست بكافر، أنت ولله الحمد تصلي لله تبارك وتعالى، أنت تسعى في أن تحسن ما بينك وبين الله تبارك وتعالى فهذه الأفكار ليست في مكانها، وليست في مكانها الصحيح، وهذه الوساوس علاجها الإهمال، علاجها بأن تقول آمنت بالله، علاجها بأن تنتهي بمعنى أنك تنتقل إلى موضوع آخر ولا تتمادى في التفكير السلبي، ونحن سعداء لأنك ترفض هذه الأفكار وهذا دليل على الخير الذي عندك، ذاك صريح الإيمان.
ونبشرك بأن الله لا يحاسبك على مثل هذه الأفكار التي لا وزن لها ولا قيمة لها، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، فثق بالله، كن مع الله تبارك وتعالى وخالف عدونا الشيطان، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد ونسعد بتواصلك المستمر مع الموقع.