السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم..
أشعر بملل كبير في حياتي، كل يوم يشبه اليوم السابق، أذهب إلى العمل وأعود في المساء، عندما أفكر أنني سأكمل حياتي بهذه الطريقة أشعر بالخيبة، ما فائدة هذه الحياة المملة؟ وكيف أتخلص من هذا الشعور الذي يؤثر علي كثيرا؟
شكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فوزي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا.
الشعور بالملل، وجمود الحياة، وذهاب الليل والنهار على نفس الوتيرة، قد يشير بشكل أو بآخر إلى افتقاد معنى الحياة، وغياب الهدف الأكبر منها، وهو انتهاز فرصة الحياة لاكتساب أكبر قدر من الحسنات، فالدنيا مزرعة الآخرة، والله تعالى يقول: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون). [الذاريات 56-57].
قد تقول: نعم أنا أعرف هذه الغاية، وأعرف هذا الهدف، ودرسناه صغارا في المدارس، وسمعناه في خطب الجمعة بالمساجد! وأقول: نعم، كل هذا صار معروفا كثقافة لكنه أصبح مجهولا كتطبيق، مثلا: لا يكفي أن نعرف أن النشويات والسكريات تضر مريض السكر، بل لا بد من اتباع المنهج العملي الذي يؤيد هذه المعلومة، وإلا أصيب المريض بمضاعفات قد تودي بحياته.
كل ما سبق ليس اتهاما لك ولا لغيرك -وكلنا ذلك الشخص-، وإنما هو محاولة للبحث عن سبب الشعور بالتعاسة والملل، ولعل ذلك يرجع إلى أمرين:
الأول: عدم استحضار الرسالة أو الهدف البعيد.
إن أطول سباق على الأقدام هو سباق ماراثون، عندما ركض جندي إغريقي مسافة 42 كيلو مترا من مدينة ماراثون إلى مدينة أثينا، ليخبر الشعب بالانتصار على الجيش الفارسي وذلك حسب الأسطورة، والشاهد من القصة بأن هذا الجندي لو لم يستحضر الهدف النهائي الذي يريد أن يصل إليه (أثينا) ليبلغ الناس (رسالة هامة) جدا، وهي انتصار جيشهم على الجيش الغازي، لما استطاع أن يقطع هذه المسافة كلها، ولشعر بالملل وعدم قيمة الحياة.
إذا فالمسلم له هدف يسعى إليه وهو: (الفوز برضى الله تعالى ونعيمه)، ولديه رسالة يستمر في حملها وأدائها وهي (الأمانة) التي كلفه الله تعالى بها، بعد امتناع السموات والأرض والجبال عن حملها ﴿إنا عرضۡنا ٱلۡأمانة على ٱلسمـٰو ٰت وٱلۡأرۡض وٱلۡجبال فأبيۡن أن يحۡملۡنها وأشۡفقۡن منۡها وحملها ٱلۡإنسـٰنۖ إنهۥ كان ظلوما جهولا﴾ [الأحزاب 72] وهي أمانة التكاليف الشرعية من صلاة وصوم وأداء الأمر واجتناب النهي.
لذلك لا نتخيل مسلما يشعر بالملل نتيجة وجود فراغ في حياته، حيث يمكن أن يملأه بالذكر والاستغفار، هذا إن لم يكن له مبادرات مجتمعية، وإحسان إلى الآخرين، والسعي في نفعهم.
الثاني: عدم استخدام المهارات الحياتية اللازمة لمكافحة الملل، نحن ندرك أن الروتين اليومي للعمل قد يصيب صاحبه بالملل فعلا، وهذا يمكن حله بالتجديد في العمل والإبداع فيه والتطوير المستمر، وهذا يقع جزء منه على عاتق جهة العمل نفسها، وجزء يقع على عاتق الموظف نفسه، الذي ينبغي أن يسعى إلى تطوير نفسه، وتطوير مهاراته، ولا ينتظر جهة العمل حتى تطوره.
أما خارج أوقات العمل فهنا يأتي الإبداع الشخصي، والذي إن تم استغلاله بحسن إدارة، وحسن تدبير، فسوف يحسن من مزاج الموظف حتى في وهو في بيئة عمله، ولكن مع كل هذه التدابير تظل العين ترقب من بعيد ذلك الهدف البعيد الأسمى، فيستمد منها الطاقة الإيمانية اللازمة لإكمال مشواره وعبور الطريق بسلام.
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.