السؤال
السلام عليكم.
تحية من القلب لكم، ولا يسعني لضيق الوقت والحروف إلا أن أقول لكم جزاكم الله عنا خير الجزاء، فقد نوفيكم حقكم من الخير الذي تقدموه لنا طبتم وطاب وطنكم أمانا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.
إنني لوهلة أشعر أنني قد أعاني من مرض نفسي فلا أجيد التعامل مع هذه البشرية التي تمتاز بالكذب
والنفاق والرياء، والحقد والكره، يعطيك من طعم اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب، فمثلا جار قريب مني عندما أجالسه يقتلني بالكذب، فتشعر أنه لا يعرف أنك تعلم الكثير حتى يخوض معك بأمور يعتقد أنه يضحك عليك بكذب وهو كبير بالسن -عافانا الله- ويخوض في أعراض الناس ولا ينظر إلى عيوبه، فما كان مني إلا أن تركت العلاقة معه، ولم أعد أرد عليه السلام.
ما أذكره هنا لا يعني لي شيئا وإنما فقط كمثال لكثير من هذه البشرية التي نتعايش معهم، والمشكلة التي لدي أنني لا أرغب أن أحيد عن طريقي المستقيم فلا أجامل بالكذب ولو كان مديري أو مسؤولا عني، فأنا إن نطقت أنطق بالحق قدر الإمكان، ولا أحاول الكذب ولو كنت مازحا.
لا أحب المراوغة حتى بالعلاقة مع الآخرين من الأصدقاء، لا أقول لكم أنني أعيش وحيدا بل لدي الكثير من الأصدقاء والمحبين والمقربين، لكنني أتساءل ما هو الطريق الذي يرضي الله في التعامل مع هذا العالم المغموس بالكذب والنفاق والحقد والحسد؟ وهل سنلقى الله على خير؟
أسأل الله الثبات، وأن يعينني على تربية أبنائي تربية تقربني إليه وتجنبي غضبه، ولست أدعي النبوة والمثالية، ولكن لن أجامل، ولن أحيد عن الطريق.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ angel حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أيها الأخ الكريم في الموقع، ونشكر لك هذا الثناء على الموقع، ونؤكد لك أن من قال لأخيه جزاك الله خيرا فقد أجزل الثناء، نسأل الله أن يجلب الأمن والأمان والطمأنينة لبلاد المسلمين.
لست مريضا نفسيا، بل أنت تسير على طريق فيه الصحة وفيه الخير، والإنسان ما ينبغي أن يجامل من يكذب بمعنى أنه يجاريه في كذبه أو في فجوره أو في محاولاته إخفاء الحقائق أو التدليس على الآخرين، ولكن هذا لا يعني أننا ندعوك إلى مقاطعتهم بل ينبغي أن تتذكر أن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط ولا يصبر، غير أننا ننبه إلى أمر مهم وهو أن هذه الخلطة للناس ينبغي أن تكون بمقدار صراحهم وطاعتهم لله تبارك وتعالى، أما بقية الناس من الجيران ومن الأصدقاء الذين ترى أن فيهم بعض الصفات غير الطيبة فأرجو أن تبقي معهم شجرة العلاقة وأن تعاملهم بما يقتضيه حالهم، وأن تكون إلى جوارهم ومعهم إذا أصابوا، وأن تتجنب إساءتهم إن أساؤوا، وكذلك الأمر مع المسؤول عليك أن تصدق في المهمة التي تكلف بها، وعليك أن تقوم بما عليك ولا تنخدع بثنائهم أو كلامهم.
فأنت أعرف بنفسك منهم والله أعلم بك منهم، لذلك الإنسان ينبغي أن يدرك أن هذه الخلطة مهمة لكن من الناس من خلطته كالدواء، يحتاجه الإنسان في بعض المواطن والمواقف، وهناك من خلطته كالغذاء يحتاجه الإنسان بدرجات مهمة لكن في أوقات أيضا معدودة، ومن الناس من خلطته كالهواء لا يستطيع الإنسان أن ينفك عن حاجته للأوكسجين، ولكن هؤلاء هم الأخيار الصرحاء الذين تستفيد من نصحهم طاعة لله تبارك وتعالى، يذكرك الواحد منهم بربك إذا نسيت ويعينك على طاعة ربك إن ذكرت، ومن الناس من خلطتهم داء فهم مرض عضال وهؤلاء ينبغي أن يتجنبهم الإنسان جهدهم، والنبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه الشرير فهش له وقال "اذنوا له بئس أخو العشير" فالإنسان يملك تحديد المسافات بينه وبين الآخرين، وأرجو أيضا أن نشتغل بإصلاح ما في أنفسنا من النقص والعيوب، ونحمد الله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا من النقص والأمراض، وشر الأمراض التي تبعد عن الله تبارك وتعالى.
إذا أرجو أن تستمر في حياتك ناصحا مرشدا، تخالط الناس بمقدار ما يقتضيه الحال حسب المصلحة الشرعية بالنسبة لك، وإذا استطعت أن تكون ناصحا مغيرا مذكرا بالله تبارك وتعالى فليكن ذلك، بل هذا مطلب شرعي، وعليك أن تختار الألفاظ وتنتقي الأوقات المناسبة لتوجيه النصح للآخرين، فإن المسلمين نصحة، والمنافقين غششه.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات، وشكرا لك على هذه الاستشارة الرائعة وعلى هذا المستوى الرفيع من الذوق والأدب، ونسأل الله أن يعيننا على التخلق بأحسن الأخلاق فإن درجتها في الشريعة الرفيعة بل أكثر ما يدخل الجنة تقى الله وحسن الخلق، نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.