تساؤلات عن الخلود والخالق عز وجل.

0 27

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هناك بعض الأفكار تجول في ذهني، وتضعف إيماني، أشبه بالأسئلة التي لا أستطيع أن أجد إجابات مقنعة لها، لذا قصدتكم لربما أجد إجابات مناسبة.

1-أخبرنا الله سبحانه أنه سيجعلنا خالدين في الجنة إن آمنا به، سؤالي هو ما الذي سنفعله بكل هذا العمر، فنحن على الأرض نعمل لأننا نعلم أن لنا عمر محدد، ونتحرك قبل فوات الأوان، ماذا عن هناك؟

أعلم أن البعض بل الكثير منا يريد الخلود، وأن لا يروا نهاية لحياتهم أبدا، ولكن ألا يبدو الخلود عذاب آخر لنا، ما الجديد الذي سنفعله؟ وما الجديد في تلك الحياة؟

2- يخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه هو أرحم الراحمين، إذا لماذا لا ينزل رحمته علينا؟ أعلم أن رحمات الله كثيرة ونحن لا نبصرها، ولكنني لا أستوعب فقط كيف يمكن لله سبحانه أن يرى ما يجري على الأرض ولا يفعل شيئا بالظالمين فيها، فتاة صغيرة تغتصب وتقتل وترمى في حاوية القمامة، فتاة أخرى ترمي بنفسها من فوق البناية بعد أن لاقت العذاب ممن حولها، كيف بإمكانه أن لا يفعل شيئا بالظالمين لأولئك الأبرياء؟

والفتاة التي لاقت عذاب الدنيا ستذوق العذاب في الآخرة أيضا؟ هل هي من خلقت نفسها بذلك المظهر ليتنمر الناس عليها؟ هل هي من قررت أن تولد في عائلة مريضة؟ هل هي من كتبت في قدرها أن تضيق الدنيا على نفسها كي تنتحر؟ لست كافرا أو ملحدا، ولكن التساؤلات تأتي من فرط التفكير.

وشكرا جزيلا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حازم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في استشارات إسلام ويب.

هذا النوع من الأسئلة –أيها الحبيب– ينبغي أن يكون مسبوقا بما فيه إثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى، وأدلة إثبات وجود الخالق بعدد المخلوقات، فكل مخلوق يدل على وجود خالقه سبحانه، (وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد).

وهذا السؤال العقلي يوجهه القرآن إلى عقول الناس ليتولوا الإجابة عنه، فيقول لهم: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون}، فمن ينكر وجود الله تعالى يطالب بأن يجيب عن هذا السؤال: من الذي خلقه؟ ومن الذي خلق هذا الكون؟ فهذا الكون مليء بالآيات والدلائل الدالة على وجود موجبه وخالقه سبحانه وتعالى.

فدلالة الخلق والإيجاد وحدها دليل على وجود الخالق، ثم دلالة الإحكام والإتقان لهذه الموجودات، ولهذا الكون الفسيح دلالة على صفات هذا الخالق.

ولا يفيد النقاش في المسائل الجانبية حول حكمة الله تعالى من بعض الأمور والأقدار التي يقدرها قبل الخروج من هذا النقاش بنتيجة إما بإثبات وجود الخالق والإيمان بذلك، فمن آمن بهذا وأقر بمقتضى هذه الأدلة العقلية والكونية في نفسه وفي المخلوقات؛ فحينها يتحدث معه بعد ذلك عن حكمة الله تعالى من الأقدار التي يقدرها على خلقه وعباده، أما من كان لا يسلم ابتداء بوجود الخالق فما الفائدة من الخوض معه في الحديث عن الحكمة من وراء هذه الأقدار والمصائب التي تنزل ببعض بني آدم؟

نحن نظن فيك كما أخبرت عن نفسك أنك لست تسأل هذه الأسئلة سؤال ملحد، ولكننا نضع رجلك على الطريق الصحيح لمعالجة هذه الشبهات، والإجابة عن هذه الأسئلة الكبيرة، وهي أسئلة جديرة بأن يجب عنها الدين، وجديرة بأن يبحث عن إجابتها من يجد في نفسه شكا بوجود الخالق الذي خلق هذا الكون، وننصحك بقراءة كتيب صغير كتب في هذا الموضوع، وهو كتاب جميل، وبلغة عصرية، ويجيب عن كافة الأسئلة المتعلقة بهذه الجزئية، وهو كتاب (شموع النهار)، موجود على الشبكة العنكبوتية للشيخ عبد الله بن صالح العجيري، بإمكانك أن تحمله من النت، وتتصفح ما تدعوك الحاجة إلى تصفحه من الفقرات الموجودة في فهرسه.

وأما ما ذكرته في السؤال الأول من كون الخلود في الآخرة في الجنة بنفسه سيصبح عذاب: فهذا ناشئ عن فساد التصور أولا، وناشئ أيضا عن قياس تلك الحياة على الحياة التي نعيشها في هذه الحياة، وبين الأمرين فرق كبير، فتلك حياة من نوع آخر، حياة لا منغصات فيها، فإن الناس كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (يشبون فلا يهرمون، ويصحون فلا يسأمون)، ليس فيها شيء من المنغصات، بل حياة الأنس واللذة والسعادة والتمتع بكل ما آتاهم الله تعالى في تلك الدار، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهلها.

فهذا الإشكال منشأه أولا قياس تلك الحياة على هذه الحياة، وعدم تصور لحقيقة تلك الحياة وكيفية العيش فيها، وهو كذلك اشتغال بما لا يفيد هذا الإنسان، هذا الإنسان إن كان مؤمنا بتلك الحياة فيقال له: العقل يقتضي بأن تشتغل بما يوصلك إليها، وكيف تبعد نفسك عن الخسارة لتلك الحياة. وإن كان لا يؤمن بها أصلا وإنما يسأل سؤال المجادل؛ فهذا ينبغي أن يكون النقاش معه أولا في إثبات وجود الخالق، وإثبات وجود الرسالة التي أرسلها الله تعالى، أو أرسل الرسل بها، لأن تلك الحياة من أمور الغيب التي لا نعلمها إلا عن طريق الوحي.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك للحق، وأن يثبتنا عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات