عرض الفتاة نفسها للزواج وبحثها عن القوي الأمين

0 330

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أختكم في الله تود استشارتكم في أمر يشغلها منذ ثلاث سنوات، فقد كان يتردد على بيتنا شاب من قريتنا، يدرس بالجامعة ويقوم بإعداد بحث التخرج، يتردد من حين لآخر بغرض مقابلة والدي الذي يشرف على بحثه، وكنت حديثة عهد بالحجاب والالتزام، كان هذا الشاب يدخل إلى المكتب مسرعا وعيناه لا ترتفعان عن الأرض، وقد صدمت يوما عندما شاء الله أن يرن جرس الباب، فأقوم أنا لأفتح؛ فإذا به هو وقد غض بصره عني، ثم سألني عن والدي، عندها أصابني شيء عجيب، قد تستغربون إذا قلت لكم إنه يشبه إحساس محبة عندما تلتقي بحبيبها.

كان بداخلي شيء يقول لي: إنه هذا هو الصواب، هذا هو ديننا هكذا أمرنا ربنا، واستحضرت عندها سورة النور وما جاء فيها من غض للبصر، وانتبهت حينها أنني لا أطبق أوامر الله، كل هذا جال بخاطري في ثوان، فوجدتني أغض بدوري بصري وتلعثمت في الكلام، (لا أكتمكم أنني قد نظمت قصيدة في وصف كل هذا).

لم أكن أتوقع أن الشخص الذي كان يقصده أخي بعد صلاة العشاء (قبل هذا) ليتناولوا أحد المواضيع الفقهية، أو أحد درو س الشيخ ابن عثيمين يمكن أن يصل تدينه إلى هذا الحد.

كانت أمي تلحظ علي الإهتمام بمجيئه، فأطلب من إخوتي الهدوء وأخفض صوت التلفاز، فسألتني يوما عن رأيي فيه؟ فقلت لها: إن فيه كل المواصفات، وكان هذا الشاب من عائلة فقيرة جدا من عشرة أفراد، فقالت: إنها ووالدي مستعدان لمساعدته ماديا إذا تقدم لخطبتي.

هناك استحضرت جواز عرض المرأة نفسها لشاب صالح مثل السيدة خديجة وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعرضت عليها وعلى أخي الموضوع، إلا أن هذا الأخير لم يقبل بحجة أن أفكاره العملية في الحياة بعيدة عن الواقع، (في بلد مسلم يلاحق الملتحين والمحجبات).

في هذا العام أتممت أنا دراستي الجامعية، وهو بصدد إتمام بحثه، ولم يتقدم لخطبتي أحد، ولم أتحدث مع هذا الشاب، ورغم ذلك فقد أسرني بدينه وخلقه؛ لأنني أحلم دوما أن أجد الزوج الذي يتقي الله، فتكون طاعتي له سببا في دخولي الجنة "بإذن الله" وأكون أسرة مسلمة تقية، أي أنني لم أرغب في هذاالشاب من حبي لشخصه (كما ترغب أي فتاة في أي شاب) ولكن لدينه الذي أرى -والله أعلم- أنه سيكون معينا لي على أمر ديني وآخرتي.

أرجوكم أشيروا علي برأيكم، وأنا خائفة إذا تقدم لخطبتي شخص آخر أقل منه تدينا وخاصة لا يغض بصره، (ولو كان بمنظور الآخرين ملتزما) أخاف أن أرفضه دون أن أستطيع ذكر السبب، مع العلم أنه قد سولت لي نفسي يوما أن أكتب له رسالة إلكترونية أطرح عليه فيها الأمر، ولكني أحمد الله أنها لم تتم.

هذه الأيام أعدت الأمر على أمي؛ لأنه صار يقلقني، فوعدتني أنها ستحاول بمعرفتها فعل شيء، من جانبي فإني أدعو الله أن يرزقني زوجا صالحا وإن كان هذا الشاب فيسره لي.

هل أبالغ في هذا الحرص؟ وهل يمكن أن يكون غض البصر من المظاهر ولايكون قلبيا وصادقا؟ وماذا أفعل طالما لم يتقدم لخطبتي؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Folla حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله العظيم أن يسهل أمرك، وأن يغفر ذنبك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، ثم يرضيك به.

هنيئا لمن تطلب في الشباب دينهم وأدبهم، وهذا دليل خير وفطرة سليمة، ولن تخسر من تطلب الدين وتبحث عن الأمين، فإن الفتاة الصالحة قالت لأبيها: ((يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين))[القصص:26]، فإن نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام سقى للفتاتين وغض العينين، وأوى إلى الظل وتوجه إلى من يملك الأمر وقال: ((رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير))[القصص:24].

وقد أعجبت قوة موسى عليه السلام وأمانته الفتاة، فقالت لأبيها: ((يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين))[القصص:26]، وقد استدلت على قوته برفع الحجر، ووقفت على أمانته بغضه لبصره وأدبه في مشيه، وقد ذكر بعض أهل التفسير أنه طلب منها أن تكون وراءه وتدله على معالم الطريق، حتى لا يرى منها شيئا إذا كشفته الريح، وهذا هو الظن بمن عصمهم الله واصطفاهم، وهو الشأن في من تأسى برسل الله الذين علموا البشرية المكارم والفضائل.

وقد أسعدني إدراكك للصواب عندما صرف بصره عنك، وهذا دليل على رجاحة عقلك، فإن العفيفة تحتقر من ينظر ويتأمل محاسنها، وتحترم من يصون نفسه ويحفظ الأعراض، وقد أحسنت فإن صاحب الدين يعين على الخير ويسعد أهله؛ لأن الشريعة تؤدبه.

ورغم جواز عرض المرأة نفسه، إلا أننا نفضل أن يكون ذلك عن طريق وسيط، وحبذا لو نقل أخوك هذه المشاعر وتلك الانطباعات إلى ذلك الأخ قبل أن يعرض عليه فكرة الارتباط، ونحن لا نؤيد شقيقك في الذي ذهب إليه، ولن تستفيد من إنسان يريد أن يجاري التيار ويخالف منهج العظيم الجبار، واعلمي أن الله يدافع عن المؤمنين، ويتولى الصالحين، فخير لك صاحب الدين.

ويمكن للوالدة أن تقوم بدورها، خاصة إذا كانت عائلة الفتى معروفة، وأرجو أن يكون في أخوالك من يؤيد الفكرة، ولا أظن أن هناك مانعا من أن يقوم الوالد بعرض الأمر عليه، كما فعل الفاروق عندما عرض حفصة على الصديق وابن عفان، ثم فازت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبحت أما للمؤمنين، فرضي الله عن حفصة الصوامة المؤتمنة على كتاب الله، ورضي الله عن أبيها.

والمسلمة تسعى وتسأل الله التوفيق، وتوقن أن كل شيء بقضاء وقدر، ولن تخيب فتاة تفكر بهذه الطريقة وتبحث عن صاحب الدين.

وننصحك بأن لا تقبلي إلا بصاحب الدين، وتلك تجارة الأكياس ورغبة الصالحات وبنات الناس.

ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضي به.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات