السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولا شكرا لفريق عملكم على مساعدتنا، وأنا أحد متابعيكم المخلصين، بارك الله فيكم.
أما بعد: فأنا فتاة شابة بعمر 20 سنة، إنسانة تقية أخاف الله، متفوقة وطموحة، أريد أن أترك بصمتي في الحياة، ولو بالقليل، بدأت الأمور تتشتت علي منذ الامتحانات النهائية الثانوية، فقد تحصلت على علامات لم تسمح لي بدخول الكلية التي كنت أريد دخولها، وهي كلية الطب فاستخرت الله في أمري، وفوضت كل شيء له، فاتضح أن أقوم بالتوكل على الله، وإعادتها، والحمد لله، أعدت الامتحانات بكل طموح، واجتهاد أكثر، وبتوفيق الله تحصلت على علامات مكنتني من دخولها، وأنا في غاية السرور والتحمس.
المشكلة أني الآن تغير رأيي كليا في هذا التخصص، في الأول ظننت أني أريده وبشدة، لكن بمرور عام كامل بدا أن التعب والإرهاق غير طبيعي في هذا التخصص، كما أنه يكلفني الكثير من المصاريف، وأنا من عائلة بسيطة لا تقدر دوما على تغطية التكاليف.
نصحني بالمقابل طبيب مختص -أعرفه وأثق به- بتغيير التخصص قبل الندم، نظرا لأنه مر بعشر سنوات من العمل والدراسة دون أن يكون العائد المالي كافيا ومنصفا مع كل تلك السنين.
لقد أظهر لي حقيقة الطب بكل تلك الجوانب السيئة التي يمكن أن أصادفها، وأخبرني أن الطب بعيد تماما عن الحياة التي قد أطمح لها بالتفوق وبدء مشاريعي الخاصة، وعمل محترم وحياة مستقرة ودخل جيد.
لقد نصحني بتغيير تخصصي للهندسة، لأنه تخصص واسع، ويمكن أن أبدع فيه، كما أن فرصه في العمل جيدة بعكس تخصص الطب الذي يستنفذ طاقة الإنسان، وفي الأخير لا يلائم راتبه مكانة الطبيب.
حال البلاد مزرية، ويتعرض الطبيب في بلادنا إلى التهميش، وانخفاض الرواتب ثم إلى التعنيف ...الخ، وهناك ضحايا لاعتداءات على الأطباء، كل هذا كان ينفذ إلى عقلي مبينا الصورة الحقيقية للطب في بلادنا، وخاصة أن هذه النصيحة من شخص كفؤ وأجدر بالمعرفة، إضافة إلى أني إنسانة متعددة الاهتمامات، وأبدع في أشياء كثيرة في حياتي، وقد كنت متفوقة أيضا في المواد التقنية، وأنا أخاف أن يكون حب تخصص الطب مزيفا، خاصة أن عائلتي كانت شجعتني على التضحية ودخوله.
استخرت فعلا في هذا الأمر، ولكني لم أصل إلى قرار بعد، وأنا الآن مشتتة، ومتوقفة دون فعل شيء، فمن فضلكم أعينوني في اتخاذ قراري، لأني رأيت أن سعيي للحياة الكريمة يتعارض تماما مع دخولي للطب، ولكني خائفة من الندم أو التسرع.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خولة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا
الحيرة في التخصص من المشاكل الشائعة لدى طلبة الجامعات، وهذا يعود لأسباب عديدة، منها:
1- نصائح الزملاء والأقران، وهذه النصائح قد تصيب وقد تخطئ.
2- ضغط الأسرة باتجاه تخصص معين.
3- سوق العمل وتوفر الوظائف.
4- الرغبة والميول الشخصي للطالب أو الطالبة.
هذا الأخير هو العامل الأهم في هذه العوامل، إذ أن الرغبة والشغف بتخصص ما، هو ما يدفع إلى التفوق والاستمرار وتجاوز الصعاب.
لذلك إن كنت ترين أنك شغوفة بالتخصصات الطبية وتتمنين الاستمرار فيها، فهنا لا يهمك مدى العوائق التي ستقف في طريقك، وستجدين ألف طريقة وطريقة لتجاوز تلك العقبات، سواء كانت عقبات مالية أو عقبة التنمر ضد الأطباء (خاصة في بلدكم)، على أن العوائد المادية لمهنة الطب قد تختلف من بلد إلى آخر، كما قد تختلف من منطقة إلى أخرى داخل البلد نفسه.
متى يمكنك اختيار تخصص آخر غير الطب؟!
لو اعتبرنا أن الشغف والرغبة هي العامل الأبرز في الاختيار، فهنا يمكن أن نقول لك: إذا كان لديك شغف في تخصصات أخرى (كتخصص التقنية) الذي أشرت إليه في ثنايا كلامك، أو حتى تخصص الهندسة، فهنا يمكنك التفكير في تغيير التخصص نفسه، وستبقى العوامل المذكورة أعلاه عوامل مؤثرة في الاختيار هذه المرة، وذلك في المفاضلة بين تخصصين لك رغبة فيهما.
إذن مفتاح الموازنة في التخصصات سيكون كالتالي:
- في التخصص الواحد (أو تخصص مرغوب لك وآخر غير مرغوب) هنا تقدمين الشغف والرغبة الشخصية من العناصر الأربعة أعلاه، وستبقى العناصر الأخرى مجرد تفضيلات غير ضرورية.
- في حال المقارنة بين تخصصيين لك شعف فيهما معا، فهنا ستكون بقية العناصر مؤثرة وعاملا حاسما في ترجيح أي التخصصين ستختارين.
على أن معرفة الرغبة والشغف أو الميول للتخصص يمكن استعمال أدوات مساعدة فيه، مثل: استشارة المرشد الطلابي في الجامعة، أو إجراء بعض الاختبارات مثل اختبار هولاند، لتحديد الميول، أو اختبارات أخرى يمكنك العثور عليها في النت.
قد أحسنت عندما لجأت إلى استشارة البشر واستخارة رب البشر، ولا غنى لك عنهما، وننصحك بتكرار الاستخارة هذه المرة للوصول إلى قرار حاسم يحدد لك طريقك التخصصي، وهي أن تصلي ركعتين وتدعي بهذا الدعاء الذي رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (هنا تسمين حاجتك) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (هنا تسمي حاجتك) شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم ارضني به، ويسمي حاجته) وفي رواية (ثم رضني به).
نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.