السؤال
السلام عليكم.
كنت فتاة مقبلة على الحياة، متفوقة في جامعتها، وتكريما لها تم تعيينها في أفضل جامعة للتدريس، وبعدها تم إيفادها إلى إحدى الدول الأوروبية، للحصول على الدكتوراه.
بعد سفرها بسنوات قليلة لم تتمكن من العودة بسبب الحرب، وتم زواجها عن طريق الأهل من قبل ابن الجيران الذي يسكن في بلدها.
كان الزوج محبا، مهتما، ينصحها بكل حب وود، والتواصل عن طريق الهاتف، وأنا اجتماعية جدا ومحبة للصداقات والتواصل مع الآخرين.
اعتبرت أهله كأهلي تماما، وتواصلت معهم جميعا بكل حب ونية صافية، وقبلت زوجي وهو لا يملك شيئا، ووعدني بأنه في المستقبل سيرزقه الله وسيعوضني عن كل شيء.
عشت معه في بيت مشترك مع آخرين، تحملت ظروفه القاسية، رغم تقدم الكثير من الميسورين لي قبلت به على سمعته الطيبة.
تمر الأيام ويرسل المال لوالده لمشروع صيدلية سيكون نصيبنا منه ربحا كبيرا على حد قول والده.
في الوقت الذي كنت انتظر منه التعويض، لكنه لم يفعل، ولم يهتم بمشاعري، بعد أن نفد المال من المنزل، استدان وأرسله إلى والده، يقينا منه أنه مشروع مربح.
علما بأن زوجي لديه ٥ من الإخوة، لكن زوجي تكفل بكل شيء، وبعد أقل من عام من المشروع توفي والده، والآن بعد ٥ سنوات لا نكسب فلسا واحدا منه، رغم حاجتنا إلى المال.
أخبرت زوجي بأننا بحاجة للنقود، وأنه يتوجب عليه التحدث لوالدته، وأننا نسامحهم على السنوات الماضية، ونبدأ من الآن، فقد أصبح لدينا أولاد.
بعد إخبارهم تبين أنهم يفضلون طلاقي على أن يعطونا حقنا، رغم كل المآسي التي تعرضت لها بسببهم، وقلة احترامهم، رغم أن تواصلنا عبر الهاتف، لم أرهم قط في حياتي، وبعد سلسلة من سوء تعاملهم أصبحت لا أستطيع سماع صوتهم! ويؤلمني حديثهم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة الناجحة- ونسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يجلب لك الطمأنينة والسعادة، وأن يجعلنا ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر.
بداية نريد أن يكون الإقبال على الحياة مستقرا، الحياة التي فيها طاعة لله، الحياة التي فيها رضا بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، و(عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).
ثانيا: أرجو أن لا تتغير أخلاقك الاجتماعية، وبشاشتك في الحياة، وتواصلك مع الآخرين، بسبب المواقف التي حدثت، فهذه الدنيا فيها ظالم ومظلوم، وهذه الدنيا التي قال عنها الشاعر:
جبلت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار
ثالثا: نحن نقر بمرارة هذا الذي حدث عليك وعلى زوجك، ونسأل الله أن يعوضكم خيرا، ونحمد الله أنكم مظلومون ولستم بظالمين.
أعتقد أن الزوج عليه أن يستمر في المطالبة، وعليك أن تستمري في ما عندك من تميز وخير، ولا ترجعي إلى الوراء، فإن هم الشيطان أن يجلب للإنسان الأحزان (ليحزن الذين آمنوا).
أرجو أن تتذكري أن هذا الكون ملك لله، وأنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، وأن كل درهم يأخذه أهل الزوجة وأي إنسان بغير وجه حق لا يعود عليه إلا بالوبال والشر، عياذا بالله تبارك وتعالى.
لذلك أرجو أن تنظري إلى المستقبل، فإن البكاء على اللبن المسكوب لا يعيده ولا يرده، ولا تتركي تميزك واهتمامك بزوجك وأولادك، ويستمر هو في المطالبة وتذكيرهم بالله تبارك وتعالى وإذا خسرت الأموال فلا تخسري هذا الزوج، ولا تخسري الأبناء، ولا تخسري سعادتك وانطلاقتك في الحياة، فالحياة من أولها إلى آخرها لا تزن عند الله جناح بعوضه.
في جناح البعوضة يتقاتل الناس، ويظلم بعضهم بعضا، فاحرصي على أن تسعدي نفسك، وأكبر أبواب السعادة إنما هو في الإقبال على الله تبارك وتعالى، والرضا بقضائه وقدره، والاجتهاد في المطالبة بالحق، ولكن دون أن يؤثر علينا نفسيا، دون أن نتعب، لأننا نخسر في هذه الحالة مرتين، وإذا كان زوجك يقدر هذا الذي نتوقعه، يقدر هذا الذي حدث ويتفهم الظلم الذي حدث له، فأرجو أن تكوني عونا له أيضا على الصبر، مع ضرورة أن يستمر في التواصل مع أهله بطريقته، ونرجو أن لا يكون لك تواصل سالب معهم.
أنت إن تواصلت فبالخير، والإنسان يعطيه الله على قدر نيته، فمن أراد الخير نال من الله خيرا، والذي يأخذ أموال الناس وليس في نيته أداؤها لهم أتلفه الله، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله)، فهم سيأخذون بمقدار نيتهم وأنت ستأخذين بمقدار ما عندك من صبر ورضا بقضاء الله وقدره، واجتهاد في أن تقبلي على الحياة بأمل جديد، وثقة في ربنا المجيد سبحانه وتعالى.
أكرر لا نريد أن تدخلي معهم في احتكاك، ولكن استمري في حياتك، واعلمي أن النجاح والتوفيق بيد الله، وشجعي زوجك ليطالب هو بحقوقكم عندهم، فإن جاءت فبها ونعمة وهذا خير لهم، قبل أن يكون خيرا لكم؛ لأن في ذلك النجاة من الظلم لهم، وإن لم تأت فنسأل الله أن يعوضكم خيرا، وأن يلهمكم السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.