السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي سؤال بات يؤرقني؛ لذا أرجو منكم تنويري والتخفيف عني؛ فأنا أشعر بالندم الشديد؛ لأنني أخرت الإنجاب، ولما أردت ذلك لم يكرمني الله، ونعم بالله.
قصتي هي: أنني لما تزوجت بقريب لي كنت فرحة كثيرا؛ لأنني كنت أظن أنه لن يتغير علي شيء، لأصطدم بالواقع المرير، من سب، وإهانات من طرف كل عائلة زوجي، لأدخل في حالة اكتئاب غير حاد، إلى أن رزقت ببنت بعد أربع سنوات، كنت أظن أن المشاكل ستنتهي، لتزيد أكثر حدة من اليوم الذي أنجبت فيه، وأصبت باكتئاب ما بعد الولادة، ورغم ذلك لم تنته المشاكل، بعدها تم طردي أنا وزوجي من البيت، وأنا ما زلت مريضة، فاستأجرنا بيتا متواضعا عانينا فيه من قلة المال، وكذلك قاطعنا أهله لمدة عشر سنوات.
بسبب تبعات الاكتئاب، قررت حينها أن أؤخر الإنجاب لحين تحسن الأوضاع، وحمدا لله بعد 6 سنوات شفيت تماما، ولكن بقيت مشكلة الظروف المادية، فقررت تأخير الإنجاب، والبحث عن عمل من أجل الاستقرار المالي، فوجدت عملا، وبعد سن الأربعين قررت المكوث في المنزل، وكذلك محاولة الإنجاب، إلا أن الله لم يكرمني بسبب مرض التغدد الرحمي، حينها دخلت في دوامة، أبكي حظي التعيس والندم الشديد؛ لأنني أخرت الإنجاب.
سؤالي: هل مسألة الإنجاب اختيار يستوجب الندم على تفويت الفرص، أم هو مسألة قدر مكتوب، يأتي في الميعاد الذي حدده الله تعالى؟
كتبت لكم هذه الرسالة لما سمعته من كلام جارح من أشخاص مقربين، بأن الله عاقبني، وانتقم مني؛ لأنني فضلت العمل، وفوت فرصة الإنجاب في سن الخصوبة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سليمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله تعالى أن يرزقك الذرية الطيبة، وأن يصلح أحوالك كلها، واعلمي -أيتها الأخت العزيزة- أن كل ما ينزل بهذا الإنسان في هذه الحياة إنما هو قدر الله تعالى الذي قدره قبل أن يخلق هذا الإنسان، وإذا أيقن الإنسان المسلم بهذه العقيدة، فإنه سيعيش في حالة من الرضا وطيب العيش، وهذا الذي جاء القرآن ليثبته في قلوبنا، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} أي: ما أصاب من مصيبة إلا وقد كتبها الله تعالى قبل أن تخلق هذه المصيبة وقبل أن توجد، ثم بين سبحانه وتعالى في الآية التي بعدها ثمرة تصديق هذه العقيدة؛ فقال: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.
فإذا أيقن الإنسان المسلم بقدر الله تعالى، وأن كل شيء بقضاء وقدر، فإنه لن يحزن على شيء فاته؛ لأنه يعلم أن حرصه ما كان أبدا سيجلب له هذا الشيء الذي قد قدر الله تعالى أنه سيحرم منه، فيستريح قلبه، ويزول عنه تأنيب نفسه؛ لأنه يعلم أنه مهما حرص ومهما بذل، فإنه لن يصل إلى شيء لم يقدره الله تعالى، وهذا مطابق تماما لحالتك الآن.
فذكري نفسك بهذه الحقيقة الإيمانية، وهي: أن الله سبحانه وتعالى قد قدر المقادير وكتب الأرزاق قبل أن تخلقي، وإذا كان الله تعالى قدر لك الإنجاب فإنه سيقع، وإذا كان الله تعالى لم يقدر لك الإنجاب فإنه لن يحصل، مهما بذلت من الأسباب، أو عملت من الأعمال، فإذا أيقنت بهذه الحقيقة زال عنك كل هذا الألم النفسي الذي تشعرين به.
واعلمي أن الله سبحانه وتعالى يقدر الخير للإنسان، وإن كان يبدو للإنسان أن هذا مكروه، فقد قال سبحانه وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، فما يدريك أن الخير والمصلحة في الشيء الذي تتمنينه أنت، فربما جاءتك ذرية وفيها من المحزنات والمقلقات ما لم تكوني تتوقعينه أبدا.
ففوضي أمورك إلى الله تعالى، وخذي بالأسباب التي شرعها الله تعالى لك، وما يقدره الله تعالى هو الخير، فارضي به.
نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان.