السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد أن أعرف ما أنا فيه، أولا: أنا غير متزن نفسيا أو اجتماعيا، ولا أحب أن يكون أطفالي كذلك، لأني غير راض عن حالي.
لا أتذكر شيئا من الماضي إلا القليل جدا، أذكر وأنا صغير بعمر 8 سنوات أو 10، كان يكبرني ابن عمي بنحو 8 سنوات، وكان يقول لي لا تخبر والدك، وأريدك أن تنام معنا، ويعمل أشياء غير أخلاقية معي، وكذلك الأمر مع ابن عمي الآخر، وهذا أثر في وشغل بالي، وحين كبرت حاولت نفس التجربة مع أحد أقربائي وأصدقائي.
الحمد لله، فقد هداني ربي وتركت هذه الأخطاء، وأنا وزميلي رجعنا أصدقاء حتى الآن، وأنا -والحمد لله- متزوج، وعندي أطفال.
كذلك أتذكر أني كنت أتخاصم مع شخص في الشارع وأنا صغير، فجاء أبي وضرب الولد، والولد ذهب وجاء بإخوته الكبار وضربوا أبي، ومرة ثانية كنت أتخاصم مع إحدى جاراتنا، وجاء والدها لضربي.
حاليا كبرت، وأعرف أن أبي طيب جدا، وأنا حاليا بعيد عن أي مشاكل، ولكني أخاف على أولادي أن يعملوا مشاكل مع أحد، ولا أعرف كيف أواجه ذلك، ودائما أقارن نفسي بمن حولي، وأشعر أني أقل واحد، لأني لا أعرف كيف أرد في المواقف، ولا كيف أنظر لأحد في عينيه.
لا أشعر بشيء فيه تسلية، وأعيش حياة روتينية بلا هدف، وضعيف الشخصية، وإذا تطاول أحد علي فلا أعرف كيف آخذ حقي، فقط يرتفع صوتي عاليا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.
طبعا الناس تختلف في تقييم ذواتها، هنالك من يشعر بالدونية، ويخفض كثيرا من قيمة ذاته، وهنالك من يكون منصفا مع نفسه ويقيمها التقييم الصحيح، وهنالك أيضا من يبالغ من مقدراته ومآثره لدرجة أنه ربما يكون لديه شيء من انتفاخ الذات.
أيها الفاضل الكريم، باختصار شديد أقول لك: إن تجارب الماضي بخيرها وشرها، وما هو إيجابي، وما هو سلبي قد انتهت، ومن الناحية النفسية يجب أن نعتبرها حلقة ضعيفة، والحلقة الأقوى هي الحاضر؛ لأن الحاضر نصنعه، لأن الحاضر نديره، لأن الحاضر نحن الذي نبنيه، والحاضر نغير فيه.
أما بالنسبة للمستقبل؛ فالمستقبل بيد الله، والإنسان إذا كان حاضره قويا ومفعما بالثبات النفسي والأداء الإيجابي، والإنجاز الصحيح؛ قطعا وبحول الله تعالى سيكون مستقبله مشرقا، فإذا لا داعي للخوف حول المستقبل.
أيها الفاضل الكريم: التجارب التي تحدثت عنها من امتهانات وقعت عليك من أبناء عمومتك بكل أسف هي تجارب سلبية، لكنك أنت كنت فيها ضحية أكثر مما تكون معتديا، وإن كنت قد اعتديت بعدها؛ فهذه الصفحة يجب أن تغلق، وألا تعيش في ضعفها؛ لأنها قد مضت، ولا نستطيع أن نعمل حيالها أي شيء، لكن الحاضر نستطيع أن نغيره كما ذكرت لك، وأنت الآن – يا أخي – في قمة سنوات شبابك، وأنت متزوج، لديك أسرة وأطفال، لديك الوظيفة، وقطعا لديك مهارات ومقدرات.
أخي: منطلق التغيير الحقيقي يبدأ من أن الإنسان يحلل نفسه ويقيمها التقييم الصحيح والمنصف، تنظر إلى الإيجابيات، حتى إن أردت أن تكتبها في ورقة فقم بذلك، ثم بعد ذلك تنظر في السلبيات، حتى ما ترى أن الناس يلاحظونه عنك من إيجابيات وسلبيات يمكن أيضا أن تعطيها اعتبارا، والمبدأ السلوكي هو: أن نعزز الإيجابيات ونحقر السلبيات.
الإنسان – يا أخي – يصحح مساره من خلال أن تكون له أهداف واضحة في الحياة، يجب أن تكون لديك أهداف، وأنت قطعا لديك أهداف، ويجب أن تضع الآليات التي توصلك إلى أهدافك، وبعد أن تقيم نفسك التقييم الصحيح، وتسعى إلى تعزيز الأشياء الإيجابية، والتخلص من السلبيات؛ هنا تكون قد وصلت إلى مرحلة فهم ذاتك، وبعد ذلك يجب أن تقبل ذاتك وتسعى لتطويرها.
هذه هي –يا أخي– المعادلة السلوكية، وكل إنسان لديه ظروفه المحيطة به، وكل إنسان لديه مقدرات وإمكانات، ويجب أن يكون لديك الرغبة نحو التغيير الإيجابي، نمط الحياة الإيجابي يبدأ دائما بحسن إدارة الوقت، ومن الأشياء التي نوصي بها دائما: تجنب السهر، وممارسة الرياضة، والحرص على الواجبات الاجتماعية، التطور المهني، التطور الفكري، القراءة، الاطلاع، العبادة.. هذه هي الأسس الحياتية.
بالنسبة للأولاد: اهتم بهم الاهتمام الجيد، ولا تكن شفوقا لدرجة الضعف، واسأل الله تعالى أن يحفظهم، وحاول أن تشاركهم، وحاول أن تلاعبهم، وحاول أن تكون مرشدا لهم دون حماية مطلقة، وكذلك والدتهم تقوم بنفس الدور، والطفل يتعلم من الطفل، ودائما فيما يتعلق بدراستهم عليك بالتطبيق العملي، ساعدهم عمليا، وليس لفظيا فقط، وحثهم ليذهبوا معك إلى المسجد، وحضهم ليحفظوا سورا من القرآن، عودهم أن يمارسوا شيئا من الرياضة، واجعلهم أن يقتدوا بشخصيات كبيرة كي يكونوا مثلها، والطفل يجب أن يحفز يا أخي.
والدة الإمام أحمد بن حنبل، كانت وراء هذا العالم الجليل والإمام العظيم، كانت هي أساس التنشئة والتربية السليمة، لعبت دورا رئيسا في تربيته وتنشئته، ووضع اللبنة الأولى لكي يصير بحق إمام أهل السنة، فكانت انطلاقته الكبيرة والعظيمة، حتى صار أحد الأئمة الأربعة الذين تلقتهم الأمة بالقبول، ومثله الكثير والكثير، يجب أن تكون هذه النماذج الناجحة حاضرة في حياة أولادنا، حتى يكونوا نافعين لأنفسهم، نافعين لغيرهم.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.