السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من مشكلة منذ صغري تؤثر علي سلبا، وهي الخجل الشديد، والخجل الذي أقصده هو الذي يؤثر علي في علاقاتي الاجتماعية، فمثلا عندما أدخل مكانا ما، من داخلي أرغب في السلام على جميع الأفراد، ولكن حقا أشعر بخجل شديد، وشيء يمنعني، كما أن صوتي منخفض بشكل واضح، وحاولت مرارا علاج الأمر، ولكنني حقا لا أقدر، وهذا أوقعني في بعض المشكلات أثناء أداء الاختبارات الشفوية.
لا أدري إذا كانت المشكلة أصلا من التربية، أم لا! فسأعرض ما واجهته في طفولتي، وأرجو أن تساعدوني في معرفة السبب وعلاجه:
أتذكر أن أمي -حفظها الله- كانت تخبرني أن علي السمع والطاعة فقط، دون معرفة الأسباب، وإنه من الجدال، والحقيقة أن هذا جعلني بداية من سن العاشرة أتجنب الجلوس مع عائلتي، كما أنها كانت وما زالت توجه لي كلمات أنني صغيرة في السن، وكلامي غير مكترث له، ولا ينبغي أن أتكلم به، لأنها الأكبر سنا والأعلم.
وشيء آخر: في سن الخامسة أو السادسة تعرضت لحادث سيارة، أدى لكسر حاد، وحتى يومي هذا وأمي ما زالت قلقة جدا بشأن خروجي من المنزل، مع العلم ليس معي فقط، ولكنها حالة من الخوف الشديد علي وعلى إخواني، وحتى على نفسها وممتلكاتها، مما يدفعها أحيانا لسوء الظن بالآخرين، لدرجة أني وصلت إلى الخوف من كل من في الخارج، لما كنت أسمعه في طفولتي أني سأتعرض للأذى، حتى أصبحت عندما أمشي في الطريق، تراودني أفكار أن أحدهم سوف يؤذيني، وأرجو أن أتخلص من هذا الشعور، وحينما كنت صغيرة، لم يكن هناك دائرة اجتماعية حولي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يمتعك بالصحة والعافية والأمن والأمان.
أولا: الحمد لله أنك وصلت مرحلة من العمر تستطيعين فيها الاعتماد على نفسك، وحمايتها من الأخطار والمشاكل.
ثانيا: لا شك أن أسلوب التربية الذي يتعرض له الشخص يؤثر في تكوين شخصيته، كما يمكن أن يساعد أيضا في اكتساب بعض الصفات الشخصية، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فقلق الوالدة وخوفها من حدوث الخطر لأبنائها خوف فطري، وذلك للمحافظة والحماية والرعاية بالنسبة لهم، ولكن إذا زاد هذا الخوف أو هذا القلق عن حده، يصبح خوفا أو قلقا مرضيا، لأن مثل هذا الخوف قد يحجب الطفل عن كثير من الخبرات الحياتية، التي يمكن أن تساعده في مواجهة المشكلات، ومعرفة حلولها بطريقة مثلى.
والحياء من الصفات الفاضلة التي يمكن أن تتمتع بها المرأة، وحث ديننا الحنيف على الحياء، وهو يعتبر زينة المرأة، وبالعكس، فإن عدم الحياء من الصفات الذميمة المبغوضة، وهنا لا بد أن نفرق بين الخجل وبين الحياء، فالخجل الشديد الذي يمنع صاحبه من أخذ حقوقه، أو الذي يمنعه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الذي يمنعه عن دفع الشر عن نفسه وعن الآخرين، أو عن المطالبة بحقوقه بصورة لائقة، كما ذكرت في موضوع الدراسة والاختبارات الشفوية، فإن هذا حق من حقوقك، أن تبرزي ما لديك من معلومات حتى يسمعها الممتحن، وحتى تظهري قدراتك المعرفية بصورة جيدة، ولا تخشين من الخطأ، فإن ذلك قد يؤثر حقا في تقدير الآخرين لما لديك من إمكانيات، فهذا يعتبر مذموما، مثله مثل عدم الحياء.
وإذا كان هذا الخوف أو هذا القلق مرضيا، فلا شك أن الشخص يكون معذورا في ذلك، فكأن يعاني الشخص مثلا من الرهاب الاجتماعي، أو القلق الاجتماعي، الذي يمنعه من الاختلاط بالناس، والذي يدفعه إلى أن يخاف من الوقوع في الخطر، أو يخاف من انتقادات الآخرين، أو كذلك من عوامل الخروج حتى من بيته خوفا من حدوث أذى، أو مصيبة إذا خرج، فهذا علاجه يكون بالمواجهة التدريجية، وذلك لكسر الحاجز النفسي، وتبدأ العملية من تغيير الأفكار السلبية عن الذات، ولا بد من زيادة الثقة بالنفس، فيمكنك إعادة هذه الثقة بنفسك، وأن ما حدث من أحداث في الماضي ليس معناه أن تتكرر التجربة، فنحن نؤمن ونسلم بالقضاء والقدر، فالحادث الذي حدث لك ليس معناه أن يتكرر مرات ومرات، وما حدث إلا لخير، والصبر عليه لا شك فيه الثواب الكثير، والإنسان عليه أن يتذكر دائما أنه لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وعلينا أن نعمل بأسباب الحماية، ونتوكل على الله سبحانه وتعالى، فلا يضرنا شيء ما دام الله سبحانه وتعالى معنا، وهنالك إرشادات ووصايا من النبي -صلى الله عليه وسلم- بتلاوة القرآن، وبالأخص آية الكرسي، والمعوذتين، وكذلك المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وعلى أدعية الخروج من المنزل، والركوب في السيارة، وما إلى ذلك من الأدعية المأثورة، فهذه تعتبر الحماية والوقاية للإنسان، والمؤمن دائما محروس بالملائكة الكرام.
فحاولي الاشتراك في الأعمال التطوعية، والقيام بتدريس من هم أصغر منك سنا وأقل معرفة، فهذا قد يساعدك في إعادة الثقة بالنفس، كذلك تكوين الصداقات مع من تثقين فيهم من أفراد جيلك، فهذا أيضا يساعد في كسر الحاجز النفسي للتفاعل مع الآخرين.
وخلاصة الأمر: لا بد أن تواجهي وتواجهي حتى تستعيدي الثقة بالنفس، وبالتالي يحصل التغيير المنشود -بإذن الله سبحانه وتعالى-، ولا تترددي إذا أتيحت لك الفرصة للتحدث أمام زميلاتك، ولا تركزي على الأخطاء، ولا تركزي على الانتقادات، فكل ابن آدم خطاء، وكلنا لدينا عيوب كما لدينا محاسن، ولا بد أن تنظري إلى مستمعيك ليس بالنظرة التضخيمية الكبرى بأنهم أعلم منك، بل أنت في طريق العلم، وطريق العلم ليس معناه أن الإنسان متعلما، وإنما هو يصيب ويخطئ لكي يتعلم.
فإدراك ووضع هذه الإرشادات، ربما يساعدك -إن شاء الله- في تخطي العقبة، والله الموفق.