السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني من بعض الأمور والتي أحتاج إلى تفسيرها والنصح فيها.
أبلغ من العمر 25 عاما، وكلما كونت علاقة -أيا كانت طبيعة تلك العلاقة- فهي في النهاية لن تدوم، ولو دامت تكون لمصلحة ما.
أعاني من فراغ عجيب وحزن، أود أن أكون مثل البقية، أتزوج وأنجب وأكون صدقات، أتمنى أن يغنيني الله بالحلال عن الحرام، ويفرج همي، علما أنني محافظة على الصلاة في وقتها، وأتجنب أي شيء قد يؤدي إلى فعل الحرام، لكن لا زلت أعاني من هذا الضيق، ولا أدري متى الفرج؟! أخشى أن يكون ذلك غضبا من الله، فوالله ثم والله مالي على ذلك صبر.
أعاني من مرض يمنعني من التفكير بالزواج، ومع ذلك لدي أمل أن تقر عيني يوما ما.
حقا آسفة، ولا أدري ما إذا كان الذي كتبته مفهوما أو لا، فإني كتبت كل حرف مع حرقة في القلب، عسى أن أجد نصيحة أو تفسيرا يفرج همي ويغير من الحال.
وشكرا .
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.
ونحن وإن كنا نتفهم الضيق الذي تعيشينه –ابنتنا العزيزة– ولكننا في الوقت نفسه نرى أنك تبالغين في الأخذ بأسباب هذا الضيق، وتحملين نفسك من الأثقال ما لا ينبغي لك أن تفعليه، فدوام العلاقات بين الناس بشكل دائم مستمر لا يكون إلا في حالات قليلة، فالغالب أن الناس يتعارفون فيما بينهم وتمضي على تعارفهم فترات من الزمن، ثم تحدث أمور تؤدي إلى انقطاع تلك العلاقات، فهذا أمر مألوف لدى الناس، وينبغي للإنسان أن يحسن دوام هذه العلاقات، بأن يدوم التواصل مع جهته وإن قطع الآخرون، وألا يستنكف من أن تكون هذه الصلات والصداقات مشوبة ببعض المنافع والمصالح، فهذا أمر طبيعي، أن ينتفع الإنسان بأخيه المسلم، وهذا جزء مهم في الحث على إنشاء العلاقات، فإن الإنسان ينتفع بإخوانه وأصدقائه في دينه وفي دنياه، ولكن ينبغي أن يكون الهدف الأول هو المحبة في الله تعالى، وهذا كفيل -إن شاء الله تعالى- بدوام هذه الصلات وبقائها.
أما ما تشعرين به من ضيق وحزن بسبب عدم تحقق ما تتمنينه؛ فهذا خطأ آخر، فلا ينبغي للإنسان أن يقنط وييأس من رحمة الله تعالى ومن تغييره للأمور، وهذا وإن كان متفهما من طبيعة الإنسان وعجلته وحرصه على ما يسره وينفعه، وحرصه على أن يقع ذلك عاجلا؛ لكن وإن كانت طبيعته تقتضي ذلك لابد أن يتذكر أن الله سبحانه وتعالى حكيم في أفعاله وأقداره، وأنه يقدر الأمور بحكمة بالغة، ومع هذه الحكمة رحمة واسعة، فهو أرحم بنا من أنفسنا، يقدر لنا ما فيه صلاحنا وإن كنا نكره ذلك المقدور، كما قال الله في كتابه: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}، ولهذا جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتكلم عن حال هذا الإنسان وضجره وقنوطه، مع أنه لا يدري أن فرج الله تعالى قريب، وأن تغيير الأمور سيكون عن قريب، يقول -عليه الصلاة والسلام-: (ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره) يعني: قرب تغييره للأمور.
فأنت لا تعرفين ما الذي تخبأه لك الأقدار، وما الذي تخفيه الأيام، فلا ينبغي أن تستعجلي، ولكن الذي ينبغي أن تفعليه هو إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، وأنه رحيم بك، يقدر لك الخير، وأن الخير هو ما يختاره لك وإن كان على خلاف رغبتك.
ومع هذا الظن الجميل بالله سبحانه وتعالى ينبغي أن تأخذي بأسباب للوصول إلى ما تحبين، ومن ذلك الدعاء، واللجوء إلى الله تعالى بصدق واضطرار. ومن أسباب الوصول التقوى، فإن الله تعالى وعد المتقين بالفرج، فقال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.
ولا تندمي أبدا على محافظتك على فرائض الله تعالى وتجنبك للحرام، فإن هذا هو طريق السعادة الحقيقي، وستدركين منافع هذا السلوك يوما ما، عاجلا أو آجلا.
وأخيرا: نقول لك -ابنتنا العزيزة- أن حرمانك من بعض ما تحبين إن كان مع أنك محافظة على الطاعات مجتنبة للمحرمات؛ فهذا ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، والله يبتلي عباده ليختبر صبرهم وليثيبهم ويكتب لهم أجورا عظيمة ما كانوا سيبلغونها لولا هذا الامتحان، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل).
أما إذا كان هذا الحرمان مع إقامة بعض المعاصي والذنوب فقد يكون عقوبة تدفعك نحو التوبة وتصحيح الحال، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا وإياك الرشاد ويقدر لنا الخير حيث كان.