السؤال
السلام عليكم.
جزاكم الله خيرا.
قبل سنة كنت أعيش أجمل أيام عمري بسبب الراحة النفسية والقرب من الله التي كنت أعيشها، إلى درجة أن الموت أصبح أحب إلي من الدنيا وما فيها، وكان كل وقتي وحياتي منشغلا بالآخرة ومشتاقا لها، لم أعد أستطيع أن أرى لهذه الحياة قيمة بسبب شعوري الغريب الذي كنت أحس فيه وشوقي للجنة وما فيها، لم أكن أصلي الوتر حينها، ولم أكن أتسنن لكن سبحان الله.
أما الآن فلي أسبوعان محافظ على السنن الرواتب بعد كل صلاة، والوتر يوميا، وأصلي في المسجد، رغم هذا فقدت ما كنت أجده سابقا من شعور اللذة في القلب عند عمل الطاعات، شعور أن الله يراني من فوق سبع سماوات عند العرش، شعور أن الله فوقي يباهي بي ملائكته بسبب فعلي، شعور أن الله رفعني درجات ومنازل في الجنة.
أصبحت أعمل الطاعات ولا أرى لي حظا أو نصيبا في ما أعمل، أكثر من شهر وأنا أعيش على هذا المبدأ أنني لا أستحق أن أصل إلى درجة عالية بسبب ما أفعل، ولم أعد أفكر في أن الله يراني وأنا أفعل كذا، وبسبب هذا فقدت ما كنت أجد.
أنا أعرف أن هذا من الشيطان ليوقفني عن الوتر والسنن الرواتب، وأعرف كيف أتعامل معه، ولكن هذه المشكلة أزعجتني وأصبحت أفكر: هل هذا له علاقة بأن الله لا يحبني؟ علما بأن الحديث القدسي يقول: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، وأنا يشهد الله لا أرغم نفسي يوميا على سنن الفرائض إلا طمعا في حبه سبحانه، ولكن لا أجده، فما السبب؟
وشكرا، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ف.م حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الطاعة، ويزينها في قلوبنا، ونحن نهنئك بما فتحه الله تعالى عليك من حب الطاعة والاشتغال بها، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منك، وأن يكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة.
ولقد صدقت –أيها الحبيب– ووفقت حين علمت أن الطريق إلى محبة الله تعالى إنما هي بطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتقرب إليه بنوافل الأعمال، وهذا الطريق بينه لنا ربنا سبحانه وتعالى، كما ذكرت أنت في الحديث، فإذا وفق الإنسان المسلم إلى عمل الطاعات مخلصا يريد بها وجه الله تعالى وليس له فيها غرض دنيوي من رياء أو سمعة؛ فإنه إذا فعل الطاعات على هذا الوجه فإنه يكون بذلك سالكا في طريق المحبة الإلهية، وسيصل -بإذن الله تعالى-، فإن الله لا يخلف وعده.
والعلماء يقولون: (الاستقامة أعظم الكرامة) يعني أعظم ما يعطيك الله تعالى ويكرمك به ويكون دليلا على حبه لك وتوفيقه لك؛ أنه سبحانه وتعالى يرزقك الاستقامة ويعينك عليها، فهي علامة إن شاء الله على أن الله تعالى يحبك، فلا يتوب الإنسان ويعمل صالحا إلا بعد توبة الله تعالى عليه، كما قال الله سبحانه وتعالى عن الصحابة الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال الله عز وجل عنهم في سورة التوبة: {ثم تاب عليهم ليتوبوا}، فكانت توبتهم وإصلاح عملهم نتيجة وثمرة لتوبة الله تعالى عليهم.
فهذه الطاعات التي تفعلها -أيها الحبيب- إنما حببها إليك وزينها لك وأعانك عليها الرب الكريم سبحانه وتعالى، فهذا إن شاء الله دليل على أنه يريد لك الخير، وأنه يحبك، فاعمل وأنت حسن الظن بربك، أنه سبحانه وتعالى لا يردك، ولا يخذلك، وأنه سيتقبل منك عملك، وجاهد نفسك على تحقيق شروط القبول، وهما شرطان لابد منهما: الشرط الأول أن يكون العمل خالصا لوجه الله، والشرط الثاني: أن يكون موافقا لشرع الله، يعني أن تفعل الشيء على بصيرة من أنه موافق للطريقة الشرعية التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون العمل صحيحا خالصا، فإذا فعلت ذلك فإنك ستكون من المقبولين -بإذن الله-.
واعلم -أيها الحبيب- أن الشيطان حريص كل الحرص على أن يصرفك عن هذه الطريق التي سلكتها، وهي طريق الطاعة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها)، ومن ثم فإنه سيأتيك بأنواع من الحيل، مرة يشككك في إخلاصك، ومرة يشككك في عملك، ومرة يشككك بأنك لا تجد اللذة والمحبة للعمل الصالح مما يدل على أنه غير مقبول، وهكذا سيأتيك من كل طريق، وسيحاول بكل حيلة ووسيلة إلى صرفك عن الأعمال الصالحة، فلا تلتفت إلى هذا كله، واعلم أنك ستصل -بإذن الله تعالى- إلى الحال التي ترجوها، من أن تكون الطاعة لذيذة سهلة على النفس، لكن قد يحتاج ذلك إلى مجاهدة، والله تعالى وعدك بأنه سيهديك إلى أحسن الطرق إذا جاهدت نفسك في مرضاته، قال الله سبحانه وتعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
نسأل الله سبحانه وتعالى لك التوفيق والثبات.